الرياضة المدرسية قضية سياسية

انتهت الأسبوع الماضي بطولة العالم  للناشئات تحت 17 سنة، والتي استضافها الأردن وبمشاركة 20 منتخبا حيث جرت البطولة وانتهت دون أن تصل أخبارها إلى الأردنيين، ودون أن تحرك بحيرة الرياضية المدرسية الراكدة منذ عقود، بعدما حرم الجمهور الأردني من متابعة المباريات التي احتكرت حقوق بثها في بطولات الفيفا كافة؛ الأمرالذي فوت فرصة مهمة للدفع بمناقشة عامة حول الرياضة المدرسية شبه المعطلة في المدارس وتحديدا مدارس الفتيات، حيث يدفع المجتمع الثمن صحيا واقتصاديا ومن نوعية حياة الأردنيين، وسيدفع الثمن أضعافا في المستقبل القريب إذا ما استمررنا على هذا الطريق.اضافة اعلان
الرياضة المدرسية اليوم قضية سياسية كبيرة لا تقل أهمية وخطورة عن قضايا أخرى كبيرة نعاني من آثارها على مستقبل الأجيال والبلاد نتيجة ترهل السياسات العامة وما أصابها من ضعف، وحسب التقديرات هناك نحو ثلث الأطفال والفتيان في سن المدرسة يعانون من السمنة أوزيادة الوزن، معظمهم مرشحون لأمراض مزمنة في سن مبكرة أي مضاعفة فاتورة هذه الأمراض للأجيال القادمة، لا تتوقف آثار إهمال الرياضة المدرسية على الجانبين الصحي والاقتصادي، فثمة سلسلة طويلة ومتداخلة من الآأثار التي تمتد إلى العنف سواء في المؤسسات التعليمية وفي المجتمع؛ فثمة طاقة يحتاج الأفراد في هذا السن إلى استهلاكها فإذا لم تصرف بطرق صحيّة فإن أحد أشكال التخلص منها هو العنف، ولا يمكن إغفال حجم التأثير الإيجابي الذي تتركه التربية البدنية على البيئة النفسية والاجتماعية للأطفال والفتيان وطريقة تعلمهم وإقبالهم على التعليم والتعلم؛ هل تتصورون شيئا أكثر من كرة القدم يحبه الفتيان في سن المدرسة، ثمة دروس فلسفية عميقة تتردد منذ أقدم الحضارات الإنسانية على أهمية غرس الرياضة في هذا السن، فهي المعادل الموضوعي للعدوانية والعنف والتطرف.
الى وقت قريب كان الاتجاه السائد في البحوث حول أسباب سمنة الأطفال والفتيان يذهب نحو الأسباب الوراثية والاستعداد الجيني، اليوم تذهب اتجاهات بحثية إلى منح الأولية للأسباب البيئية وأنماط الحياة الجديدة التي وفرها التغيير الاجتماعي والثقافي في الكثير من المجتمعات؛ وهذا يبرز بشكل واضح في المجتمعات التي تتسع فيها الطبقة الوسطى، أي أن السمنة هي نتيجة للتطور في نوعية حياة الأسر، وعلى هذا الأساس لاحظت منظمة الصحة العالمية أن معدل سمنة الأطفال في العالم قد تضاعف نحو 300 % منذ الثمانينيات، ما دفع العديد من دول العالم وفي مقدمتها الدول المتقدمة التي لم تأخذ هذا الأمر في سياساتها العامة إلى إدخال مشكلة سمنة الأطفال في سياساتها العامة وآخرها بريطانيا التي أعلنت قبل فترة خطة كبيرة أساسها الرياضة المدرسية.
هناك ساعة أسبوعية واحدة تخصص في مدارسنا للرياضة، وهي أدنى من المعايير في هذا المجال، والمشكلة أنه حتى هذه الساعة غير مفعلة ولا يستفيد منها الطلبة في معظم المدارس نتيجة عدم وجود المرافق. هناك مئات المدارس التي لا يوجد فيها حتى مجرد كرة قدم، وفوق ذلك كله عدم وجود إرادة لدى المعلمين والإدارات المدرسية لمنح هذا المجال حقه، فما تزال الإدارات التربوية التقليدية تنظر إلى أن الرياضيات واللغات وغيرها أهم من دروس الرياضة، وإذا ما ذهبنا إلى مدارس الإناث فالأمر أكثر تعقيدا وصعوبة.
وما نحتاجه رؤية سياسية جامعة تدرك وفق منظور شمولي حجم الخسائر نتيجة إهمال هذا الجانب الذي قد يبدو للوهلة الأولى بسيطا وليس بحجم مشاكل معقدة أخرى تعانيها البلاد، اقتصاديا ينفق الأردنيون نحو 8 % من الناتج الوطني على الرعاية الصحية أي نحو 2.3 مليار دينار يمكن توفير ربع هذا الرقم إذا ما تم توفير رعاية بدنية من مدخل الرياضة المدرسية لنحو خمس السكان الموجودين على مقاعد الدراسة، لا يمكن تصور إصلاح التعليم بدون توفير استعداد بدني ونفسي لدى التلاميذ، نحن بحاجة إلى خطة جديدة للتربية البدنية والرياضة المدرسية تفضي إلى زيادة حصة الرياضة إلى ثلاث ساعات على الأقل أسبوعيا وزيادة حصة التمارين الرياضية الصباحية إلى 15 دقيقة يوميا، هذا مدخل مهم لسعادة الاطفال وأسرهم، وسعادة الناس قضية سياسية أيضا!