"الريشة السيف".. إهداء المؤلف غازي انعيم لروح الفنان ناجي العلي

figuur-i
figuur-i

عزيزة علي

عمان- يرى الناقد والفنان التشكيلي ورئيس رابطة الفنانين التشكيليين غازي انعيم، أن الشهيد الفنان ناجي العلي أرسى أركان فن الكاريكاتور السياسي، ودعّم قواعده بكل جدارة واقتدار من خلال مسيرته الفنية التي قضاها متنقلاً ما بين المجلات والصحف العربية كي يؤدي واجبه ودوره كمبدع عربي أصيل ملتزم يعيش همّ الأمة ويعاني مآسيها.اضافة اعلان
ويضيف انعيم، في مقدمة كتابه "ناجي العلي: الريشة السيف"، الصادر عن دار خطوط وظلال للنشر والتوزيع في عمان، أن أعمال العلي الكاريكاتورية بقيت تحمل مادة الحياة في طياتها، وتنبض بروح القضية ووجدانها. ومذكرة قاتليه بجريمتهم؛ حيث حاولوا اغتيال الـ"أنا"، المقاومة فينا، تلك التي ترفض الاعتراف بالمحتل، كما ترفض المساومة على دماء الشهداء، وأحزان الأرامل، ونداء الأرض.
ويقول المؤلف، إن أسلوب العلي المميز جعله علامة فارقة في تاريخ الكاريكاتور العربي والعالمي؛ فهو صاحب رؤية وموقف ومضمون إنساني وثوري ملتزم.. وأكثر الرسامين العرب إبداعًا ووعيا لتقنية الكاريكاتور ومفهومه وفاعليته وأهميته؛ الذي اتسم ببساطة الرسم، واعتماد الإيجاز الذي يحمل تعبيرًا ينشد الكشف عن معاناة شعبه وأمته مع العدو الصهيوني وأميركا والأنظمة العربية التي تتبعهما؛ ومن ناحية أخرى يتابع الأحداث السياسية اليومية أولاً بأول.
يتضمن الكتاب إهداء من المؤلف إلى روح الفنان الشهيد ناجي العلي المثقف الثوري الذي واجه التهديد والابتزاز، بروح المحارب الصلب المؤمن بقضيته؛ حيث كان الكاريكاتور بالنسبة له توأم البندقية وأداة كفاح ودعوة إلى غد أفضل.. وكان قادرًا في الحالتين على استخدام الأداتين في التسديد باتجاه فلسطين، لذلك لم يسقط في فخ فصل معركة فلسطين، عن معركة الأنظمة العربية، وجماهيرها العريضة صاحبة المصلحة الحقيقية في التغيير والتحرير والديمقراطية، لا سيما أنه تمثّل تلك الجماهير في داخله فدافع عنها من خلال ريشته، وكلماته.
وتبع الإهداء تقديم أشار فيه إلى تواصل وتفاعل العلي من خلال الصحف والمجلات مع الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج؛ حيث يعبر من خلال كاريكاتوراته التي تجذرت وصارت زمنا لا تحده جغرافيا ضيقة أو حدود سياسية عن همومهم وتطلعاتهم إذ كان مؤثرًا في وجدانهم.
يتناول الكاتب المواضيع الآتية: "الكاريكاتور: المصطلح والمعنى، مشوار الحياة والفن، عام الحسم، اغتيال ناجي العلي، كاريكاتور رشيدة مهران.. وحيثيات الاغتيال، الأدوات الرمزية والتعبيرية، الشخوص التعبيرية في كاريكاتور العلي: "حنظلة- فاطمة- الرجل الطيب- الطفلة سندريلا- الشخوص المتكرشة المترهلة- أبو عبد الكادر".
والكوفية الفلسطينية في كاريكاتور ناجي العلي، الكلمة واللغة، وثيقة السفر الفلسطينية، الوطن المحتل، الأسرى والمعتقلين، الحريات والديمقراطية، النفط، الخطاب الديني، التراث الشعبي، لبنان، أميركا وأصدقاؤها العرب، التطبيع مع الكيان الصهيوني وأميركا، كامب ديفيد، الوحدة العربية، المثقف الفاعل.. التزام وموقف، من أقوال الشهيد العلي، خاتمة".
ويشير المؤلف الى أن رسومات العلي جاءت مناشير سياسية تختصر الواقع الأسود الذي نعيشه، وفي الوقت نفسه تُحرّض على هذا الواقع المؤلم؛ إضافة إلى ذلك كانت رسوماته تحمل كمية من الصدق الذي لا يمكن أن يمحوها الزمن، تعبر عن تطلعات أمته في الحرية والكرامة والتحرر والاستقلال، لافتا الى أن العلي كان يعي دوره ويعرف أن مهمة الكاريكاتور فضائحية، تتركز في نشر غسيل الناس على الحبال وفي الهواء الطلق دون مساومات.
وينوه انعيم الى أن التكريم الحقيقي الذي حصل عليه العلي في حياته وبعد استشهاده، من خلال طبع ونشر وانتشار رسوماته في كل مكان، وكذلك بالكتابة حول رحلته في فن الكاريكاتور، مشيرا الى أنه حاول في هذا الكتاب أن يتغلغل في حياة وثنايا إبداع وفكر العلي، الذي اختار الدرب الوعر، الصاعد إلى القمة؛ حيث واجه الضلالة بالريشة السيف، وسمّى الأشياء بأسمائها، ولم يكن لديه ما هو مقدس سوى الوطن والفقراء والمقاتلين البسطاء.
وفي خاتمة الكتاب، يشير المؤلف الى أنه "بعد رحيل العلي بدأتُ دراسة عديدة تنشر وتكتب حول ظاهرة ناجي القومي الذي يتكلم اللغة ذاتها التي يتكلم بها الضمير العربي الواحد، وواجهتني حينها عقبة كبيرة في عدم توفر المراجع اللازمة التي تتضمن لوحاته الكاريكاتورية من أجل قراءة أبعادها في دنيا الكاريكاتور العالمي التي أودعت في ضمير الجماهير العربية أبعادًا جمالية وثقافية وسياسية تمثل مدرسة متحركة أمام كل ذي عين".
ويبين انعيم أن العلي استطاع من خلال الموقف الذاتي أن يجعل من الموضوع الإنساني محور فنه يدلي به من خلال رأيه الشخصي بكل شجاعة.. شجاعة المثقف الثوري الواعي الذي واجه التهديد، والابتزاز، بروح المحارب الصلب المؤمن بقضيته لا سيما أن الكاريكاتور كان بالنسبة له توأم البندقية وأداة كفاح ودعوة إلى غد أفضل.
ويوضح المؤلف أن العلي كان يؤمن بأن قضية فلسطين هي أساس المعيار القومي والمعيار الإنساني، وأن فلسطين وشعبها جزء لا يتجزأ من الوطن العربي والأمة العربية، وبأن النهوض القومي شرط أساس لتحريرها؛ لأن معيار الانتماء القومي عنده هو مدى الاقتراب أو الابتعاد عن عروبة فلسطين والعمل على تحريرها. ويشدد انعيم على أن العلي لم تشده أي قضية إنسانية في هذا الكون أكثر مما تشده قضية شعبه وأمته، فأداته مسخَّرة في سبيل هذه القضية، لذلك أصبحت رسومه جزءًا من الموروث الشعبي؛ حيث استطاع أن يستخدم في لوحاته الكاريكاتورية العديد من المفردات الثقافية الشعبية كالمثل والأغنية والقول المأثور.. مسخراً إياها في خدمة موضوعه.
ويقول المؤلف إن العلي، رغم كل هذه الهزائم والانكسارات، لم يفقد تفاؤله وإيمانه بشعبه وأمته ومقاومته.. لذلك عندما تحكي رسوماته الكاريكاتورية عن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعسكرية.. فهي لا تحكي عنها حكاية من لا يكترث بل حكاية من اتخذ موقفـا. لذلك جاءت خطوطه وكلماته وعناصر تكويناته ليس لذاتها بل من أجل تشييد لوحة تعكس من خلال رموزها رأي وقضية وموقف.