الزراعة: الموارد أولا

 

 اول ما يستدعي النظر والمعالجة في المسألة الزراعية هو مواردها وفي مقدمتها الارض، من اجل المحافظة عليها ثروة وطنية زراعية

اضافة اعلان

  نكتب عن الزراعة لأنه عام الزراعة، وأول ما يستحق ان نكتب عنه في الزراعة وعامها هي الموارد الزراعية، واهم هذه الموارد الأرض، التي تكالبت عليها السياسيات الزراعية الرسمية وساندها الجهل والطمع والحاجة وجشع من أرادوا لها واستطاعوا ان يحولوها الى سلعة سوقية وتجارة خلقت معها فقاعة اقتصادية ريعية عجزت السياسات الحكومية عن وضعها تحت السيطرة بالقدر نفسه الذي عجزت فيه عن تحويل بعض فوائضها لصالح الخزينة التي تتعطش لها.

  نفتح قصة الاراضي الزراعية التي لا نهاية لها فنقرأ ان البلديات تتوسع أفقيا وليس عموديا، والناخبين والمنتخبين في المدن والبلديات على تواطؤ فيما بينهم لتوسيع المساحة المنظمة على حساب الاراضي الزراعية، ووزارة الزراعة غائبة بينما يتولى مجلس التنظيم الاعلى الذي لا ممثل لوزارة الزراعة فيه الموافقة على التوسيع التنظيمي والاستثماري، ويستمر مسلسل اغتيال الاراضي الزراعية وبخاصة الاكثر خصوبة, وهي تلك التي تقع بين حدود المنطقة المنظمة للبلدية، والحدود الجغرافية لها التي تضع عليها شواخص الترحيب بالقادمين والتوديع للمغادرين.

  ولأن استهدافها الدائم من قبل البلديات لم يعد يكفي، مدت الحكومات يدها بتأثير المستفيدين والمتنفذين وبسابق علم لتعزيز مشهد التصفية من خلال تعديلات تشريعية تسمح  بإفراز الاراضي الزراعية لغاية عشرة دونمات، ولتنزل بها لاحقا الى اربعة دونمات تحت حجج وذرائع واهية لا يمكن ان تصمد امام أولويات المصلحة العامة فسهلت بذلك تسليع ارض الزراعة وجعلها اكثر جاهزية للبيع واعادة البيع.

حاول اللوبي الزراعي اغتنام  مبادرة وتوجيهات جلالة الملك عام 2001 لوضع استراتيجية وطنية للزراعة، ودفع بثقل تلك المبادرة حتى أثمرت وضع قانون جديد مؤقت للزراعة عام 2002 ، الذي فرحنا له واعتقدنا على بساطتنا اننا نجحنا به بوضع حد للسطو على الاراضي الزراعية بعد ان خسرت منذ الستينيات وحتى الان نحو مليون دونم من اصل5.6 مليون دونم فقط هي كل ما نملكه من ارض صالحة ومتاحة للزراعة. فقد جاء في المادة 58 من قانون ما نصه"على الرغم مما ورد في أي تشريع آخر لا يجوز تحويل صفة استعمال الاراضي الزراعية الى استعمال آخر الا بموجب نظام خاص يصدر عن مجلس الوزراء يحدد بموجبه الشروط والأسس التي تسمح بإجراء عملية التحويل".  لكن هذه المادة بقيت من دون تطبيق عدة سنوات  ليجري اختطافها لاحقا بحجة تطبيقها وعلى النحو التالي:

1- ظلت المادة 58 من دون تطبيق اربع سنوات منذ صدور القانون عام 2002 وحتى نهاية عام 2005 تناوب أثناءها على وزارة الزراعة خمسة وزراء ومع ذلك لم تكلف الوزارة نفسها القيام بأهم واجباتها وهو تطبيق القانون، كما لم يتساءل مجلس النواب عن عدم تطبيق القانون، وكذلك ديوان المحاسبة. فهذا هو الحال عندما يعرف  الجميع ان احدا لن يتعرض للعقوبة اذا ما احجم عن تنفيذ القانون بل ولا حتى للوم، وفي  حالات ربما وصلته إشارات استحسان.

2- في العام 2006 عندما طلبت وزارة الزراعة تنفيذ قانون الزراعة  بتطبيق المادة 58 منه كانت النتيجة عدم صدور نظام خاص بتحويل صفة استعمال الاراضي الزراعية وانما نظام شامل لتنظيم استعمالات الاراضي هو ( نظام تنظيم استعمال الاراضي رقم 6 لسنة 2007) الذي خالف نص المادة 58 من قانون الزراعة صراحة من حيث انها تستوجب صدور نظام خاص يختص فقط بتحويل صفة استعمال الاراضي الزراعية.

3- ترتب على الخطوة الثانية الوصول للهدف الطلوب وهو ابقاء صلاحية تحويل صفة استعمال الاراضي الزراعية بيد مجلس التنظيم الاعلى، ما يعني تجاوز وزارة الزراعة في حقها بصلاحية التنسيب بالموافقة او عدمها على اي إجراء  يجري لتحويل الاراضي الزراعية لاستعمالات غير زراعية.

 ان اول ما يستدعي النظر والمعالجة في المسألة الزراعية هو مواردها وفي مقدمتها الارض، من اجل المحافظة عليها ثروة وطنية زراعية. خاصة واننا لا نملك منها الكثير. وهو ما يحقق من جهة اخرى تحسينا في كفاءة التنظيم العام لاستعمالات الاراضي بمختلف جوانبه، فيتم استعمال الاراضي جميعها وفي مختلف مواقعها فيما يناسبها، ويقود كذلك الى حماية البيئة من أي اخطار نتيجة للتحويلات الخاطئة للأراضي الزراعية الى استعمالات غير زراعية.