الزراعة على الهامش دائماً

في آذار (مارس) الماضي، التقى رئيس الوزراء غرفة تجارة الأردن وحاورها ليس في الشأن التجاري والاقتصادي فقط، وإنما في الشأن السياسي أيضاً. والتقى بعد يوم واحد غرفة الصناعة للغرض نفسه. وحتى اليوم، لم يلتق الرئيس أياً من المؤسسات الأهلية الزراعية التي ما تزال تنتظر. بعد ذلك شكلت الحكومة في عهد الإصلاح لجنة للإصلاح الاقتصادي، استثنت منها أيضاً أي ممثل لقطاع الزراعة، ربما لأننا بلد كل أهله من المدن، وهم أهل تجارة لا تضاهيها تجارة الصين، وأهل صناعة لا تنافسها الصناعة اليابانية والأوروبية والأميركية.اضافة اعلان
نتذكر جميعاً عندما أعلن جلالة الملك العام 2008 من العارضة في الأغوار أن العام 2009 سوف يكون عام الزراعة في الأردن. ولم تتوان الحكومة عن تنفيذ الوعد الملكي أبداً بهدية كبيرة، بأن فرضت لأول مرة في تاريخ الأردن ضريبة دخل على المنتجين الزراعيين. وهو ابتكار يسجل للأردن في أرقام غينس كأول دولة في العالم تضع ضريبة على الزراعة.
المزارعون بعملهم في مزارعهم يعفون الدولة من زيادةِ همّها في إحداث الوظائف وفرص العمل، ويقدمون لمحدودي الدخل والفقراء غذاء رخيصاً، ويصدرون سنوياً بما يزيد على 600 مليون دينار، ويحمون الأرض من الزحف العمراني إذا ما تركت من دون زراعة. وتقدم الزراعة للدولة فرصة كبيرة للحفاظ على البيئة من خلال الغابات التي يتراكض الكثيرون للاستيلاء عليها، وفرصة كبيرة أخرى لاستثمار مناطق المراعي بجمع مياه أوديتها وتنمية مراعيها لتوفير الأعلاف للثروة الحيوانية وتثبيت أهل البادية في مناطقهم وتوفير فرص العيش الكريم لهم.
الكتابة عن الزراعة كما هو حالها دائماً لا تجد من الحكومات غير التجاهل والصد، بل والاستخفاف من قبل من لا يهمهم غير قطاع المال والمشاريع الاستثمارية التي توفر فرصاً لرجال الأعمال الذين لا يهمّهم اكتظاظ العائلات بأبنائها من الجامعيين العاطلين عن العمل، والعنف المجتمعي الذي يزداد توسعاً بين الزملاء في ساحات الجامعات أو في الشوارع بين أبناء القرية الواحدة.
حكومات تذهب وأخرى تأتي ولا شيء للزراعة غير الإمعان في تقسيم الأرض الزراعية إلى 10 دونمات ثم إلى 4 دونمات لتسهيل بيعها، وإقامة مناطق تنموية تذهب بالأرض الزراعية إلى حيث لا عودة، وترك مياه وديان البادية تذهب هدراً ومراعيها تتصحر. ولا نسمع ذكراً للزراعة على لسان الحكومة إلا عندما تتحدث عن ارتفاع حصة الزراعة من المياه، وانخفاض مساهمتها في الناتج المحلي، واستهداف الغابات بدواعي تنمية المناطق المحيطة بها، وكأن التنمية لا تأتي إلا على حساب الغابات.
إذا كان تجاهل الزراعة يتم في عهد الإصلاح وفي ظل حكومة الإصلاح، فهل يتم تذكرها في حكومات الذين ولدوا وفي أفواههم ملاعق من ذهب، وتوارثوا المناصب أباً عن جد؟ أم في ظل حكومات الانفتاح والتجارة وتحرير الأسواق ومجالس إدارات الشركات؟ فما رشح من أخبار لجنة الحوار الاقتصادي عن الزراعة حتى الآن لم يتجاوز الكلام العام؛ فلا شيء عن حماية مياه الزراعة، ولا عن تحسين التسويق الزراعي، أو عن إلغاء ضريبة الدخل على المنتجين الزراعيين، أو التفعيل الفوري لقانوني إدارة المخاطر الزراعية ودعم الثروة الحيوانية بعد أن ظلا على مدار عامين في طور السبات، أو إحالة مشروع قانون غرفة زراعة الأردن إلى مجلس النواب بصورة مستعجلة، أو حماية غابة دبين من الاغتصاب وغابة برقش التي ينتظرها المصير نفسه.