السطر الغائب في بيان وزارة الخارجية

كيف يمكن أن نقرأ العلاقات الأردنية السورية، بعد بيان وزارة الخارجية، واستدعاء دبلوماسي سوري في عمان، للتعبير عن الاستياء بسبب اعتقال عشرات الأردنيين؟. على الأرجح هذا التصعيد من جانب عمان الرسمية، يعبر عن تدهور في العلاقات بين البلدين، بعد أن راهن كثيرون على احتمال تحسن هذه العلاقات، خصوصا، مع الوفود الأردنية والسورية التي زارت البلدين، وفتح المعابر، وتدفق التجارة، وغير ذلك من مؤشرات تعاظمت في فترة ما إلى الدرجة التي تم فيها الحديث عن تعيين سفير أردني في دمشق، وبالتالي تعيين سفير سوري في عمان. اعتقال عشرات الأردنيين، يعبر عن أخطاء فادحة وقعت فيها ثلاثة أطراف، أولها وزارة الخارجية الأردنية التي كان لا بد من أن تحذر المواطنين مبكرا من فكرة السفر إلى سورية، وهي ما تزال في ظروف متقلبة، دون أن يعني التحذير هنا، الإساءة لدمشق الرسمية، وثانيها المواطن الأردني الذي تناسى أن سورية ما تزال حساسة أمنيا، وهناك جماعات مقاتلة، إضافة إلى اعتبارات مرتبطة بالشكوك الأمنية السورية بحق الأردنيين وغيرهم، فيما ثالثها يرتبط بدمشق الرسمية، التي تتصرف بعنجهية متناسية على الأقل وجود أكثر من مليون سوري في الأردن، لكنها في كل الأحوال لا تأبه بهم، فلماذا تأبه لعشرات الأردنيين المعتقلين في سجونها. اللافت هنا للانتباه، أن السلطات السورية، لا تضع عمان الرسمية في صورة أسباب الاعتقالات، بل تعتقل، وتقول لعمان الرسمية، انها لا تريد التنسيق في الحد الأدنى، وبدلا من إطلاق سراح هؤلاء، أو على الأقل ابلاغ عمان سبب توقيف كل شخص، تدير ظهرها، مع المعلومات التي تتسرب حول وجود سماسرة يطلبون رشى مالية، من اجل إطلاق سراح البعض، هذا فوق أن الطريقة السورية في الشك والاعتقال، معروفة تاريخيا، بكونها تعتمد على اتفه التصرفات التي قد لا تعني شيئا بمعايير دول أخرى. إعلان بيان وزارة الخارجية، يعني بشكل مباشر، طلبا ناعما من الأردنيين بالتوجس خيفة من الذهاب إلى سورية، وإذا كانت عمان لا تعلن ذلك صراحة، فهي في سياقات استدعاء دبلوماسي سوري للمرة الرابعة، واشهار بيان رسمي، تقول ضمنيا، إن من يسافر يخاطر بنفسه، وان على كل مواطن أيضا أن لا يغامر بنفسه في ظروف ملتبسة. هذا التوتر المستجد في العلاقة، يؤشر على عودة العلاقات الى مربعها الأول، والواضح أن السوريين يريدون فقط من الانفتاح على الأردن، توظيف الأردن باعتباره جسرا لتجارتهم، ولا يريدون تقديم أي شيء على الصعيد الاقتصادي بالمقابل، والمعلومات تؤكد هنا، أن السوريين يعرقلون التجارة الأردنية، بوسائل مختلفة، ولا يقدمون أي تسهيلات مثل التي يقدمها الأردن للسوريين، وهذا ملف آخر فيه تفاصيل كثيرة، بحاجة إلى مطالعة مستقلة. معنى الكلام، أن بيان وزارة الخارجية وإن كان يتحدث عن ملف المعتقلين، إلا أن وجهه السياسي على مستوى علاقات الدولة، واجب القراءة، لأننا نعرف أن السوريين لن يهتموا بمثل هذا البيان، ولا بالتذمر أمام دبلوماسي سوري في عمان، وهذا يعني فعليا، ان البيان يعلن مجددا صعوبة تحسين العلاقات بين الأردن وسورية، ان لم يكن استحالتها، وهذا هو السطر الغائب في بيان الخارجية، الذي تم تركه لقراءة الكلام وراء الكلام. لكن لماذا تمتنع دمشق عن التجاوب مع الأردن، ولو على الأقل صونا لماء وجه الذين يناصرون النظام السوري، أو يؤمنون بكون سورية تتعرض لمؤامرة كبرى، والاجابة سهلة، إذ ان دمشق أولا وأخيرا، تظن أن عمان ساندت الفوضى السورية، هذا فوق الذهنية الثأرية السورية التي تريد من الكل أن يأتوا راكعين خاضعين معتذرين إلى دمشق، إضافة إلى أن العلاقات مع عمان، لا يمكن أن تنفصل لدى صاحب القرار في دمشق، عن مجمل معادلات العلاقات الأردنية مع إيران، أو بقية السلسلة إياها، وهذا يعني أن هذا الملف معقد جدا؟!. ثم قولوا لنا يا من تجلسون في دمشق، ماهية تهم هؤلاء، فقد يكون أحدهم جاء مخربا، أو بنية سوء، ولحظتها لن يؤازره أحد، لكن اعتقال العشرات دون تفسير، يرتد سلبا، ويؤجج المخاوف، ويوقف موجة الاندفاع الشعبي نحو سورية، ويحقق غايات من لا يريدون ان يحدث أي تقارب أردني سوري، وهذا بحد ذاته ملف يتوجب على دمشق أن تتنبه له.اضافة اعلان