السلام الإسرائيلي-الفلسطيني.. بايدن قد ينجح حيث فشل أسلافه

ألون بن مئير* – (ميدل إيست أونلاين) 1/1/2021

قد ينجح الرئيس بايدن في صياغة سلام إسرائيلي فلسطيني من خلال التأكيد بأقوى العبارات أن حلّ الدولتين يظل الخيار الوحيد القابل للتطبيق والعمل على تهيئة الظروف على الأرض لتحقيق هذه الغاية.

  • * *
    تظل الولايات المتحدة القوة التي لا غنى عنها التي يمكنها جلب كل من إسرائيل والفلسطينيين إلى سلام دائم، حيث لا يمكن لأي قوة أخرى أن تمارس نوع التأثير المطلوب على كلا الجانبين للتوصل إلى اتفاق. ولكي تحقق إدارة بايدن ذلك، يجب أن تلعب دورًا نشطًا من خلال تقديم أفكارها الخاصة واستخدام مواردها الهائلة وتأثيرها لإقناع و/أو الضغط على كلا الجانبين لتقديم التنازلات اللازمة لإبرام اتفاق سلام محدد مسبقًا على أساس حلّ الدولتين. ويجب أن يأتي هذا بعد فترة بضع سنوات من عملية تصالحية.
    على عكس وجهة النظر التي يتبناها معظم الإسرائيليين، تسبب الدعم الأميركي التقليدي غير المشروط لإسرائيل في إلحاق ضرر كبير باحتمالات السلام الإسرائيلي-الفلسطيني. وقد عمل الدعم السياسي والعسكري والاقتصادي المستمر من الولايات المتحدة -من دون الإصرار على إنهاء إسرائيل الاحتلال- على تمكين إسرائيل من الحفاظ على الوضع الراهن وخلق ظروف سياسية ومادية جديدة في الضفة الغربية قوضت بشدة احتمالية تحقيق حلّ الدولتين.
    وزاد ترامب الطين بلة من خلال الدفع من جانب واحد بخطة سلام لصالح إسرائيل بشكل كبير، وقدمت بندًا كان من شأنه أن يسمح لإسرائيل بضم 30 % إضافية من الضفة الغربية، وهو ما لم يتحقق لحسن الحظ. وعلى الرغم من أن السلطة الفلسطينية تعتقد، ولأسباب مبررة، أن الولايات المتحدة كانت منحازة دائمًا لصالح إسرائيل، إلا أنها تدرك أيضًا أن الولايات المتحدة وحدها هي التي يمكنها أن تنتزع من إسرائيل نوع التنازلات اللازمة لجعل السلام ممكنًا.
    مع ذلك، ومع إحباط خطة ترامب وتولي بايدن زمام الأمور، أشار الفلسطينيون مسبقاً إلى أنهم على استعداد لاستئناف محادثات السلام بوساطة أميركية. وينبغي أن يبدأ بايدن بإصلاح الضرر الجسيم الذي ألحقه ترامب بعملية السلام بأكملها واستعادة ثقة الفلسطينيين في مفاوضات جديدة قد تؤدي في النهاية إلى حلّ دائم.
    فرص جديدة
    الآن بعد أن أصبحت لإسرائيل حكومة جديدة بقيادة القومي نفتالي بينيت، سوف يعطي ذلك إدارة بايدن الفرصة لإرسال رسالة واضحة إلى الإسرائيليين مفادها أن الوقت قد حان لإبداء بعض الاعتدال تجاه الفلسطينيين، وأن حل الدولتين يظل الخيار الوحيد الذي تلتزم به الولايات المتحدة بالكامل.
    وفي حين أن حكومة بينيت تمثل الطيف السياسي الإسرائيلي بأكمله من اليسار إلى اليمين، بما في ذلك العرب الإسرائيليون، فإن قرار التحالف بوضع الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني في أدنى قائمة اهتماماته بسبب عدم وجود توافق بين شركائه هو قرار قصير النظر ومدمر للغاية. ففي الواقع، مثل هذه الحكومة فقط، التي تمثل الطيف السياسي الإسرائيلي بأكمله، هي التي لديها فرصة حقيقية للتوصل إلى اتفاق.
    وعلى الجانب الفلسطيني اتخذ الرئيس عباس موقفاً متشدداً فيما يتعلق بالمستوطنات والقدس واللاجئين، وسيكون من المستحيل تقريباً بالنسبة له أن يعكس مساره ويحتفظ بالسلطة. وهو لا يريد أن يترك المشهد السياسي متهماً ببيع القضية الفلسطينية.
    وبالنظر إلى موقف عباس الذي يتعذّر الدفاع عنه، حان الوقت للفلسطينيين لاختيار قادة جدد. ولم تُجرِ السلطة الفلسطينية انتخابات برلمانية منذ ما يقرب من 15 عامًا وفقد الجمهور إلى حد كبير الثقة في الحكومة الحالية. وينبغي أن يصر بايدن على أن يحدد الفلسطينيون موعدًا نهائيًا لإجراء انتخابات جديدة وأن يتعهد بدعم أي زعيم فلسطيني يُنتخب بحرية ونزاهة، بما في ذلك أولئك المرتبطون بحماس، بشرط أن يعترفوا بسيادة إسرائيل وأن يلتزموا بالسلام.
    لإثبات دعمه القضية الفلسطينية، أعاد بايدن بحكمة دعمه المالي للفلسطينيين. وإضافة إلى ذلك، ينبغي على بايدن إنشاء قنصلية أميركية في القدس الشرقية تخدم الفلسطينيين ودعوة الفلسطينيين إلى إعادة فتح بعثتهم في واشنطن. ولإظهار حسن النية من جانب إسرائيل، يجب على بايدن أن يطلب من بينيت إطلاق سراح جميع السجناء السياسيين الفلسطينيين، وخاصة أولئك الذين لم تتلطخ أيديهم بالدماء.
    وأخيرًا، ينبغي أن يوضح بايدن أنه بينما تقف أميركا إلى جانب حلفائها وتلتزم بأمنهم ورفاههم، يجب عليهم بدورهم الرد بالمثل من خلال النظر بعناية في المصالح الجيوستراتيجية الشاملة للولايات المتحدة في المنطقة، لا سيما فيما يتعلق بإيران.
    وفي هذا الصدد، يمكن لبايدن التفاوض على صفقة معدلة بشأن برنامج إيران النووي، الأمر الذي يتطلب دعم إسرائيل مقابل الموازنة الدقيقة لمخاوف إسرائيل بشأن التهديد النووي الإيراني وإبقائها على اطلاع. وفي الواقع سيؤدي الإتفاق النووي الجديد والتقدم على الجبهة الإسرائيلية-الفلسطينية إلى حرمان إيران بشكل كبير من استغلال الصراع من خلال تسليح الجهاديين العرب والتحريض على العنف وزرع الفوضى وعدم الاستقرار لخدمة مصالحها الخاصة.
    عملية مصالحة
    بالنظر إلى تعقيد الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني والكراهية المتبادلة المتأصلة والارتياب والعداء وفقدان الثقة المتزايد في إمكانية تحقيق السلام، يجب على إدارة بايدن الإصرار على أن ينخرط الطرفان في عملية مصالحة من حكومة لحكومة ومن شعب لشعب. من المؤكد أن تخفف مثل هذه العملية من انعدام الثقة وتقلل من مستوى العداء وتفتح الباب لتعاون متزايد.
    في الواقع، وتحت أي ظرف من الظروف، سوف تقطع بضع سنوات من الهدوء والتعاون بين الجانبين شوطًا طويلاً نحو بناء الثقة المتبادلة وفهم مخاوف كل منهما وتمهد الطريق تدريجياً لحل دائم.
    ونظرًا لأنه من المتوقع أن يزور بينيت البيت الأبيض قريبًا، ستتاح للرئيس بايدن الفرصة ليشرح للزعيم الإسرائيلي بعبارات لا لبس فيها أن الولايات المتحدة:
    أ‌) ملتزمة بحلّ الدولتين، ليس فقط لأنه صحيح من الناحية الأخلاقية، ولكن لأنه الحل الوحيد الذي سيحافظ
    على الطبيعة الديمقراطية لإسرائيل، وكذلك هويتها القومية اليهودية؛
    ب‌) ستعارض ضمّ أي أرض فلسطينية وترفض طرد الفلسطينيين من منازلهم في أي جزء من الضفة الغربية وكذلك في القدس الشرقية.
    ج) تؤيد بقوة توسيع التعاون الأمني بين الجانبين وتطلب أن تشارك إسرائيل والسلطة الفلسطينية فوراً في عملية المصالحة على جميع المستويات.
    د) تتوقع أن تدعم حكومة بينيت اتفاقًا نوويًا إيرانيًا معدلًا، كما هو موضح أعلاه.
    وحالما يتم التوصل إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين وبقية دول الخليج العربي، ستنظر الولايات المتحدة في مدّ مظلتها النووية إلى المنطقة، بما قد يقنع إيران بعدم السعي لامتلاك أسلحة نووية.
    بوجود قيادة جديدة في الولايات المتحدة وإسرائيل وقريباً في السلطة الفلسطينية، هناك فرصة نادرة لدفع قضية السلام إلى الأمام. ويجب على بايدن أن يوضح لبينيت وشركائه في الائتلاف اليميني الذين يعارضون إقامة دولة فلسطينية أنهم يقفون الآن أمام التاريخ. وعليهم مواجهة المحتوم وتحرير إسرائيل من عبودية الاحتلال.
    ستكون هذه هي السمة المميزة لرجل دولة على خطى مناحيم بيغن، خاصة عندما تكون رفاهية إسرائيل في المستقبل وأمنها القومي على المحك. وبايدن في وضع جيد يؤهله للنجاح حيث فشل أسلافه.
اضافة اعلان

*كاتب وصحفي إسرائيلي مختص بسياسات الشرق الأوسط، وخاصة مفاوضات السلام بين إسرائيل والعالم العربي. من أشد المتحمسين لمبادرة السلام العربية للعام 2002.