السلطات الشبكاتية والتشابكية

يقدم مانويل كاستلز (مؤلف كتاب عصر الشبكات) في كتابه "سلطة الاتصال" مقاربات جديدة في العلاقة بين الاتصال والسلطة، فقد حددت قواعد الإنتاج السلطة والموارد والطبقات في عصر الصناعة كما نظّر لها بإبداع كارل ماركس، فإن علاقات الانتاج والسلطة اليوم تحددها قواعد الاتصال وتوزيع وانتاج المعرفة. يقول كاستلز: السلطة هي أكثر العمليات أصولية في المجتمع، لأن القيم والمؤسسات تحدد المجتمع، وما هو ذو قيمة وذو طابع مؤسسي تحدده علاقات السلطة. والسلطة هي القدرة ذات الصلة التي تمكن فاعلا اجتماعيا من أن يؤثر بشكل غير متناسب على قرارات الفاعلين الاجتماعيين الآخرين بسبل تحابي إرادة الفاعل المتمتع بالسلطة ومصالحه وقيمه. اضافة اعلان
تمارس السلطة من خلال وسائل القهر (أو إمكانية ممارسته) أو ببناء معنى او من خلال بنائه، أو هما معا، على أساس خطاب تهتدي به الأطراف في عملها، وتتشكل علاقات السلطة من خلال الهيمنة، وهي سلطة متضمنة في مؤسسات المجتمع، وهذه القدرة ذات الصلة تحكمها، وإن كانت لا تقررها القدرة الهيكلية للهيمنة، وقد تشترك المؤسسات في علاقات السلطة القائمة على الهيمنة التي تمارسها على رعاياها. وبالطبع تسعى السلطة على نحو تلقائي أو غرائزي للهيمنة وتسعى القوى الاجتماعية والاقتصادية المشاركة والمنافسة للمقاومة، لا يوجد أبدا سلطة مطلقة، أي صفر تأثير من الخاضعين،.. هناك دائما إمكانية للمقاومة. وعندما تصبح المقاومة أقوى من الإذعان تتحول علاقات السلطة وشروطها، وتكون عملية تغيير مؤسسي أو هيكلي. وعندما تتدخل السلطة في المجال العام محابية مصالح معينة غالبة في الدولة، فإنها تغري بأزمة مشروعية، لأنها تظهر نفسها باعتبارها أداة للهيمنة وليست مؤسسة للتمثيل.
يشير فوكو إلى الخطاب الانضباطي الذي يؤكد على مؤسسات الدولة: السجون، الجيش، الأماكن المقدسة. والحال أن مؤسسات الدولة والمؤسسات الموازية (المؤسسات الدينية والجامعات والصفوة المتعلمة ووسائل الإعلام) هي المصادر الرئيسية لهذا الخطاب. وقد وضع جيف موجلان نظرية قدرة الدولة على ممارسة السلطة، وأورد ثلاثة مصادر لذلك: العنف والمال والثقة.
الأمم (الجماعات الثقافية) تنتج دولا، وتفعل ذلك من خلال الاضطلاع باحتكار العنف داخل أرض معينة، ويقع الارتباط بين سلطة الدولة والسياسة في مجتمع تكسبه الدولة تعريفه، هذا هو الافتراض المضمر في تحليلات السلطة التي تراقب علاقات السلطة داخل دولة قائمة على الأرض أو بين دول وتعيّن الأمة والدولة والأرض حدود المجتمع.
لكن العولمة والشبكاتية أنشأت تحديات جديدة ومهمة وربما جذرية لهذه المفاهيم، بل إنها تعيد معنى السلطة والأمة والهويات، وفي كتابه "مجتمع المخاطرة العالمي" ينقض أولريش بيك هذه الوطنية المنهجية، لأن العولمة أعادت تعريف حدود الأرض لممارسة السلطة. وكما يقول عالم الاجتماع جيمس فريزر: إذا كانت السلطة موجودة في هياكل اجتماعية معينة قائمة على قاعدة الصيغ المكانية الزمانية، وهذه الصيغ المكانية الزمانية لم تعد قائمة في المقام الأول على المستوى القومي، لكنها عولمية ومحلية في الوقت نفسه، فإن حدود المجتمع تتغير، ويتغير أيضا الإطار المرجعي لعلاقات السلطة التي تتجاوز القومي.
هكذا نحاول اليوم نحن الأفراد والجماعات الصغيرة والهامشية والمحرومين من منافع التنمية والساعين إلى التأثير في السياسات المحيطة كما تحاول أيضا السلطات والشركات أن نأخذ مكانا في الشبكة، .. نبيع خصوصياتنا لشبكات التواصل، ونجعل أنفسنا هدفا إعلانيا مقابل إمكانية الدخول الى هذه الشبكات وتقديم آرائنا وأفكارنا التي تتضمن تحديا للشركات وتفكيكا لنفوذ السلطات ومواجهة للأسس الثقافية لحضارتنا العجوز المتعبة.