السلع الأساسية: قلق عالمي من التجارة إلى العملات

ترجمة: ينال أبو زينة

عمان- القضية تصنع فتنة مثيرة: حوالي 160 "من الكشافة" الذين يرتدون بناطيل الجينز والأحذية الموحلة يقفزون من السيارات بحبال في أيديهم، ويغرقون عميقاً حقول الذرة وفول الصويا عبر الغرب الأوسط الأميركي. فليسوا مزارعين فقط، إنما يضمون تجار السلع الأساسية ومدراء صناديق التحوط أيضاً. وتكمن مهمتهم في توقع حصاد هذا العام باستخدام الحبال كأداة قياس وحساب، إلى آخر كوز ذرة وحبة فول صويا، واللتين تشكلان الغلة في منطقة معينة.اضافة اعلان
وفي هذا الخصوص، قال استراتيجي السوق في مجموعة "زانير"، وهي شركة سمسرة بالسلع الأساسية تتخذ من شيكاغو مقراً لها، وهو تيد سيفرايد: "لدينا محاصيل رائعة في الحقيقة. وأعتقد أنها ستحقق رقماً قياسياً"، وذلك عقب توقفه في نبراسكا في الحادي والعشرين من الشهر الحالي. ويعد الوحل على حذائه إشارةً مطمئنة على وفرة الرطوبة في التربة.
ولكنه عندما يعود إلى سيارته مع آخرين في "جولة المزارعين المهنيين لمحاصيل الغرب الأوسط"، سوف تتحول المحادثات إلى مواضيع أكثر قتامة، مثل التوترات التجارية والعملات المنهارة وما يدعوه باسم بداية "الحرب الاقتصادية الباردة" بين أميركا والصين، بحيث أوضح سيفرايد في هذا السياق: "بينما نقود الأميال الـ15 إلى 25 من حقل إلى آخر، يصبح لدينا الكثير لنتحدث عنه. وبشكل عام، فإن المُنتِج الأميركي يعتقد أن الحرب مع الصين حرب عادلة. ولكنها تؤثر كثيراً على محافظ الجيب".
ومن الحزام الزراعي للغرب الأوسط إلى أسواق السلع الأساسية في شيكاغو ونيويورك ولندن وشنغهاي، فإن هذا وقت مخادع لإنتاج وتداول السلع الأساسية. وقد يستمتع الأميركيون بأسواق الأسهم المرتفعة والمتصاعدة الخاصة بهم. ولكن الدولار مرتفع القيمة وأسعار الفائدة المرتفعة أيضاً، بالإضافة إلى انهيار عملات السوق الناشئة ومخاوف أن تضرب الرسوم الجمركية المفروضة التصدير إلى الصين، أمور أعاثت فساداً في أسعار السلع الأساسية في الشهور الأخيرة.
ويتربص التغير المناخي في خلفية الحدث، إلى جانب المخاوف التي تنامت مع الحرارة والجفاف الذي ضرب محصول القمح في أوروبا هذا الصيف. وقد ارتفعت أسعار المحاصيل الأوروبية كنتيجة لذلك. ولكن أسعار العديد من السلع الأساسية الأخرى انخفضت. وفي الثاني والعشرين من آب (أغسطس) الحالي، انخفض الرطل من القهوة العربية إلى ما دون دولار واحد. وكان السكر الخام أيضاً في أدنى مستوياته في عشر سنوات. وقد ضربت أسعار هذه السلع بسبب العرض المفرط في البرازيل، بالإضافة إلى انخفاض في قيمة العملة البرازيلية الحقيقية، مما جعلها أكثر إلحاحاً في بيع المحاصيل المسعرة بالدولار، بدلاً من تخزينها.
وفي الأسابيع الماضية، انخفض سعر النحاس داخل الأسواق الهبوطية، وذلك بأكثر من 20 % منذ شهر حزيران (يونيو)، وبسبب مخاوف تتمحور حول أن الحمائية قد تثبط النمو العالمي، خاصةً في الصين، التي تشكل جهودها للقضاء على النفوذ العالمي عائقاً آخراً أمام التوسع. وانخفضت أسعار النفط للأسبوع السابع على التوالي، أيضاً بسبب قلق يلف الطلب الباهت في الأسواق الناشئة، ولأن الدولار الأقوى يرفع تكلفة شراء النفط بالنسبة لهؤلاء ذوي العملات الضعيفة. وقد طور الذهب عادةً غريبة من التراجع المتزامن مع اليوان الصيني.
وفي الوقت ذاته، واصلت أسعار الذرة وفول الصويا الأميركيين سلسلة طويلة من الضعف، وذلك كنتيجة للمحاصيل التي تصبح أكثر وفرة مع تقدمنا في السنة. وتتوقع وزارة الزراعة رقماً قياسياً لغلال الذرة هذا العام، وأكبر حصاد لفول الصويا في التاريخ، وهو أمر تهدف جولة المحاصل التحقق من صحته، بحسب ما أوضحه سيفرايد. ولكن هذا وقت رديء جداً، بالنظر إلى أن الصين، التي كانت أكبر مُشترٍ لفول الصويا الأميركي، رفعت تعريفاتها الجمركية الانتقامية المفروضة على المحاصيل في تموز (يوليو).
ويأمل المزارعون بيع المزيد في أوروبا؛ حيث الطلب مرتفع على فول صويا كعلف للحيوانات، وذلك لارتفاع تكلفة القمح. ولكن الانخفاض في القيمة الحقيقية للعملة البرازيلية تجعل من فول الصويا أكثر تنافسية أيضاً.
ويومض التفاؤل من وقت لآخر بواقع الحال. فقد ارتفعت أسعار الكثير من السلع الأساسية في الفترة التي أعقبت آخر محادثات تجارية بين المسؤولين الأميركيين والصينيين، والتي كانت على مشارف الانتهاء في الوقت الذي ذهبت فيه "الإيكونوميست" للطباعة. وقد انخفض الدولار مما عزز أسعار بعض السلع الأساسية، وذلك عقب أن صرح الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في مقابلة أجرتها معه "رويترز" في العشرين من الشهر الحالي بأنه "غير متحمس" لسياسة الاحتياطي الفدرالي الرامية إلى رفع أسعار الفائدة الأميركية. وسوف يكون التقدم المحرز في المحادثات بشأن اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية بمثابة أنباء جيدة أيضاً.
ولكن "بي إتش بي"؛ أكبر شركة تعدين في العالم، أصدرت تقييماً فظيعاً للمخاطر طويلة الأجل التي قد تواجهها منتجاتها خلال نتائج نهاية السنة التي كانت لولا ذلك لتبشر بالخير في الحادي والعشرين من الشهر الحالي. وكانت الشركة أوضحت أن الحماية كانت "غير مفيدة للغاية" للنمو العالمي عريض القاعدة، مضيفةً أن التوترات التجارية الصينية الأميركية يمكن أن تضعف نمو الناتج المحلي الإجمالي لكلا البلدين بمقدار الربع إلى ثلاثة أرباع نقطة مئوية، في غياب الإجراءات المضادة. وقد فرضت كل من أميركا والصين فئة أخرى من التعريفات على ما قيمتها 16 مليار دولار إضافية من سلع كل منهما في الثالث والعشرين من الشهر الحالي.
ويشير المحللون إلى طريقتين رئيسيتين تؤذي بها هذه التعريفات أسعار السلع. الأولى تعود إلى الأهمية المتنامية للطلب من الأسواق الناشئة. وفي تقرير صدر في حزيران (يونيو)، وجد البنك الدولي أن معظم النمو تقريباً في استهلاك المعادن العالمي خلال العشرين سنة الماضية، وثلثي الارتفاع في الطلب على الطاقة وخُمسي الارتفاع في استهلاك الغذاء، قد أتى من سبع دول: وهي البرازيل والصين والهند وأندونيسيا والمكسيك وروسيا وتركيا. وتتجاوز هذه المجموعة الآن مجموعة الدول الصناعية السبع في استهلاك الفحم وجميع المعادن الأساسية والنفيسة، بالإضافة إلى الأرز والقمح وفول الصويا. ولذلك فإن أسعار السلع أصبحت أكثر حساسية لثروات هذه الدول مما كانت عليه. وفي ضوء ذلك، فإن تقلبها في وقت مبكر من هذا الشهر، مع انهيار الليرة التركية، ضرب العملات الهشة الأخرى.
وتكمن الطريقة الثانية في المضاربة. ويقول رئيس استراتيجية السلع الأساسية في "ساكسو بنك"، أولي هانسن، إن الخوف من الحرب التجارية ضرب أسعار معظم السلع المتداولة عالمياً، خاصةً النحاس، بحيث ارتفعت المواقف القصيرة للمضاربين. وتشكل الصين نصف الطلب العالمي على النحاس، وهي نفس حصة استهلاكها للصلب. ومع ذلك فإن أسعار الصُلب كانت أفضل بكثير، والسبب هو أن أكثر عقد مُسال للصين يقبع في الصين، والذي يتأثر أكثر بعوامل العرض والطلب المحلية من الرهانات العالمية الضخمة. وارتفعت عقود الصلب الآجلة في الصين ارتفاعها الأفضل في سبع سنوات في الـ22 من الشهر الحالي.
وما يزال الطلب القادم من الصين، كما كان دائماً، أكبر عامل تقلب لأسعار السلع. وتقول "بي إتش بي" إن الصين ستستخدم التوسع المالي والنقدي للمساعدة في تعويض تأثير الصراع التجاري على صادراتها، والذي ربما قد يفيد السلع الأساسية. ولكن حتى وإن كانت أسوأ الأسعار هي ما نشاهدها حالياً، فربما هناك المزيد من التقلبات التي ستمثل أمامنا مع مرور الوقت. وكما قال سيفرايد أثناء جولته في حقول الذرة في نبراسكا: "فإن توقع المستقبل أمر أحمق".

"الإيكونوميست"