السياسة تتكلم بالعربية

الكثير منا شاهد وزيرة الخارجية النمساوية وهي تلقي خطابها في الامم المتحدة باللغة العربية تقديرا لهذه اللغة وتعبيرا عن مكانتها في الحضارة الانسانية وقبل ذلك بأيام غرد الرئيس الفرنسي ماكرون على صفحته الشخصية باللغة العربية، وسبق لولي عهد بريطانيا الامير تشارلز ان وجه سلسلة من الرسائل باللغة العربية في مناسبات عديدة. التفت الى ازدياد حجم اهتمام ساسة العالم باللغة العربية في الوقت الذي احتفل فيه العالم الاسبوع الماضي باليوم العالمي للغة العربية، وسط استمرار التباكي العربي على مستقبل لغتهم وعدم اهتمام ابناء هذه اللغة بالحفاظ عليها وحمايتها ونشرها؛ وهي صورة نمطية تقليدية موروثة منذ عقود طويلة. وعلى الرغم من تراجع مكانة العرب الاستراتيجية وتضاؤل وزنهم في السياسة الدولية وتواضع مساهمتهم في الحضارة الانسانية الا ان من التبسيط ان نسحب هذه الاحوال على واقع اللغة العربية، فالكثير من المؤشرات تؤكد بالأدلة ان اللغة العربية تزدهر وتتقدم واحوالها اليوم افضل بكثير من حالها في مثل هذه السنوات في الربع الاول من القرن الماضي، وهي بالتأكيد افضل من احوالها قبل ثلاثة عقود. في العقد الاخير ازداد اهتمام السياسة الدولية باللغة العربية، عمدت الكثير من الدول الغربية والدول الكبرى الاخرى الى دفع عاملين في دوائرها الدبلوماسية الى تعلم العربية، وبعضها اطلق برامج محددة لتعلم اللغة والثقافة العربية، بل اصبحت معرفة هذه اللغة شرطا اساسيا للدبلوماسيين لدى العديد من الدول الذين يرشحون للعمل في اكثر من عشرين سفارة وبعثة دبلوماسية وتجارية، صحيح ان اللغة العربية دخلت الى لغات الامم المتحدة منذ مطلع السبعينيات الا ان الاهتمام بهذه اللغة واعتمادها بالفعل في الوثائق والمطبوعات الاممية قد ازداد بشكل كبير في هذه المرحلة. بدأ تعليم اللغة العربية في الجامعات الغربية وفي شرق اسيا في عدد محدود من الجامعات منذ فترة طويلة، لكن في السنوات الاخيرة حدثت ثورة حقيقية في تعليم اللغة العربية نتحدث عن مئات الجامعات التي يتوفر فيها برامج في هذا المجال، وبعد احداث ايلول 2001 تعاظم الاهتمام المعرفي بالمنطقة العربية بدا الامر وكأنه رغبة في التعرف على الاخر المخيف، ومع توالي الاحداث اصبح الاهتمام بمعرفة الثقافة واللغة العربيتين شرطا اساسيا لتبادل المصالح وفهم الصراعات. لقد اكتفت النظرة التشاؤمية لمستقبل اللغة العربية في ضوء العصر الرقمي بالنظر إلى محتوى الشبكات الاجتماعية وما يعكسه من رداءة، وهي الفرصة الأولى في التاريخ التي يتاح لعامة الناس للتعبير الكتابي واطلاع العامة عليه، في المقابل يعكس محتوى الشبكات العربية مخرجات النظم التعلمية وهذا هو الحال سواء بوجود هذه الشبكات او بدونه، بل إن وجود هذه الشبكات كشف عن الكثير من مصادر الضعف في نظم التعليم. في 2009 لم يتجاوز حجم المحتوى العربي على الإنترنت أكثر من نصف بالمائة فيما شهدت اللغة العربية منذ 2011 نمواَ كبيراَ؛ حيث أخذت تسجل معدلات هي الأعلى في العالم في بعض السنوات ووصل المحتوى العربي على الإنترنت إلى 3% ومع هذا ما تزال هذه النسبة محدودة مقارنة مع عدد من يتحدثون بالعربية. مقابل التأثير السلبي للظروف الاقتصادية والسياسية في العالم العربي تشهد اللغة العربية قفزات مفاجئة بالحضور في العالم الرقمي ما يدل على حيويتها؛ فقد فاق عدد المقالات العربية في موسوعة ويكيبيديا في نهاية 2017 نصف مليون مقالة، بمعدل شهري يتجاوز ألف مقالة، بينما كان مجمل المقالات العربية المنشورة عام 2008 لا يتجاوز 65000 مقالة، وفي 2010 أصبح 118870 مقالة. ويحتل الموقع العربي المرتبة 19 من بين 295 موقعاَ لغوياَ من حيث كمّ المقالات ومع هذا ما تزال هذه المكانة متواضعة، في حين كان في المرتبة 29 العام 2008.اضافة اعلان