السياسيّ/ة والذمّ والقدح والتحقير

هل يستطيعُ مسؤولٌ/ة أو سياسيّ/ة اللجوء إلى القضاء في حالةِ أن أحدهم أو إحداهنَّ قد ذكراهُ بسوءٍ رأى أنه يساوي الذمَّ والقدحَ والتحقير؟
كمواطن وكفردٍ في المجتمع، فهذا حقُّ لا ينازعه عليه أحد، ولكن ماذا لو كانت جريمة "الذمِّ والقدحِ والتحقير" قد حدثت على خلفيّة أدائه كمسؤولٍ أو كسياسيّ؟ هل الأمر واحدٌ في الحالتين؟اضافة اعلان
بالطبعِ لا. فبغضِّ النظر عن الممارسات الراهنة، وعن قانون جرم "الذمِّ والقدح والتحقير" الذي لا يحددّ الخلفية التي تجعلُ من السلوك القادح والمحقِّر "جرماً"، فإنَّ السياسيّ/ة أو المسؤول/ة في موقعه من المسؤولية يختلف عن الفرد العادي الذي يصطدم بالجار أو الزميل أو البائعِ أو حتى عابر السبيل في ملاسناتٍ ومشاحناتٍ تفضي أحياناً إلى تجاوز لغة الاحترام إلى الشتم وإخوته. يختلف في أن المسؤول يمسُّ بمسؤوليته الجماعةَ، مما يفسّرُ الغضبَ الشعبيَّ العارم الذي قد يُشعلُه قرارٌ جائر أو تصميمُ قانونٍ أعوج. فالسياسيّ أو المسؤولُ شخصيةٌ عامةٌ لا تؤثّرُ قراراتها على فردٍ أو مجموعةٍ صغيرة فحسب، بل على مصائر وحيواتٍ وفحوى وطن؛ ولذا فإنَّ العجبَ لا ينتهي من مسؤولٍ يريدُ ردّات الفعل الشعبيّة على سلوكه الوظيفي مهذَّبةً "راقية"! بينما هو/هي قد تسبَّبَ، بهذه الدرجة أو تلك، في أزماتٍ اقتصاديّةٍ أو اجتماعيّةٍ أو سياسيّة؛ داخليةٍ أو خارجيّة! ولأنَّ المسؤولَ أو السياسيَّ شخصيةٌ عامةٌ، فإنَّ وصفَه بالكاذبِ أو المتواطئ أو الغبيّ (كما يصفون ترامب مثلاً) أو العنصريّ أو الطائفيّ أو الإقليميّ أو الطاغية أو الأميّ أو المتخلّف أو غيرها من تقييماتٍ أخلاقيّة وأحكامٍ قيمية، لا تمسّ صورته كفردٍ في المجتمع، وإنما صورته كمسؤول وصاحب سلطةٍ وصولجان. أي أنها تنديدٌ بقرارٍ أو سلوكٍ مُغالبٍ لمصلحة الجماعة، فيما رأت الجماعةُ ذلك، ولا علاقة لما وُصِفَ بأنه "ذم"، بشخص السياسيّ أو المسؤول الذي يمكن أن يكون من أخيار الناس كإنسان.
بعبارةٍ أخرى، فإن السياسيّ الذي يتعرّض لهجماتٍ من مواطنيه على خلفيةِ صفقةٍ مريبةٍ، أو تسطيحٍ لعمل مؤسّسته من أداءٍ في العمقِ إلى أداءٍ في الاستعراض، أو تمريرِ اتفاقيّة أو قانونٍ جائر، أو التغاضي عن فسادٍ، أو غير ذلك، فإن هذا السياسيّ بما فعلَ أو صمتَ على، إنما "جلب الحقارةَ لنفسه" (بحسب النص القانونيّ)، هذه الحقارة التي فاضت بها ألسنة الناس التي هجته وتناولته بالذمّ.
ولما لم تكن السياسةُ يوماً قراءةً في الأخلاق، فإن احتكام السياسيّ/ة إلى القضاء في مسألة الذم والقدح والتحقير، تنبئ عن سياسيٍّ/ة مهزوز/ة غير واثقٍ/ة وغير فاهمٍ/ة لطبيعةِ عملِه/ها من جهةٍ، ولطبيعة علاقته/ها بالجمهور أو بالمجتمع من جهةٍ ثانية. وإذا كانت بعضُ الغضبات الشعبيّة تتجاوز نقد السلوك المهني إلى السخرية من صاحبه وأهله وشكله وعمره واسمه وغير ذلك من تجاوزات، إلا أن على السياسيّ أن يُدرك أنه وأسرته وتاريخه الشخصيّ والمهني قد وقع في دائرة الضوء التي لا ترحم، وليس سوى الأمانة المهنيّة والشفافية من منقذٍ له في معركة اغتيال الشخصية هذه.
وعلى ذلك عليه وعليها أن يعقدا الأمل....!