السيطرة على أسلحة ليبيا ضرورة حاسمة

الأسلحة في أيدي الليبيين، خطر يتهدد مستقبل البلد - (أرشيفية)
الأسلحة في أيدي الليبيين، خطر يتهدد مستقبل البلد - (أرشيفية)

عمر عاشور* - (فورين بوليسي) 26/10/2011

ترجمة: عبد الرحمن الحسيني

بعبارة "ارفع رأسك فوق، إنت ليبي حر"، هتف عشرات الآلاف في بنغازي يوم 23 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، فيما أعلن المجلس الوطني الانتقالي الليبي عن تحرير ليبيا. وقال وزير الشهداء والجرحى في المجلس مخاطباً الحشود المنتشية في بنغازي: "لقد مات الطاغية، وها هي جثته النتنة تحت أقدام الشعب الليبي". وقال محمد عبدالله؛ المقاتل من مصراتة: "كان قد قال لنا إننا جرذان. فعثرنا عليه مختبئاً في أنبوب تصريف مياه عادمة، تماماً كما يختبئ الجرذ. فليتعظ باقي الطغاة".اضافة اعلان
لكن هزيمة الدكتاتور ليست كافية لإتمام عملية انتقال ديمقراطي ناجح. إذ يترتب على ليبيا راهناً التعامل مع الإرث الذي خلفه ذلك الطاغية: عقود من سوء التنمية والفساد وعمليات الثأر والقمع والحرب التي خلفت عشرات آلاف الليبيين القتلى، وألحقت خسائر وأضراراً تقدر ببلايين الدولارات. ورغم ذلك، فإنه يمكن اعتبار المتشائمين مخطئين حين ينحون نحو افتراض أن هذه التحديات ستفضي بليبيا إلى الانهيار، والدخول من ثم في أتون فوضى عنيفة.
وقال عبد الحكيم بلحاج؛ القائد السابق للمجموعة القتالية الإسلامية في ليبيا وقائد المجلس العسكري في طرابلس حالياً: "لن تكون ليبيا عراقاً آخر. وأنا أستطيع أن أؤكد لكم ذلك". ويدرك كل سياسي وشيخ عشيرة وعسكري وقائد قوات شبه عسكرية في ليبيا ممن كنت قد تحدثت معهم المخاطر التي تهدد الفترة الانتقالية المقبلة. وإذا ما قدر لليبيا أن تتجاوز المرحلة الانتقالية الساخنة، فستكون لديها الفرصة لأن تحاكي (إمارة) دبي في الديمقراطية. أما إذا فشلت في هذا المسعى، فقد تؤول بها الحال إلى أن تبدو مثل العراق وأفغانستان أو الصومال.
ومن أجل عبور هذه الفترة الانتقالية، تمس حاجة ليبيا إلى استراتيجية لنزع التسلح وتحقيق المصالحة وإعادة الاندماج، لتفادي وقوع صدام بين الوحدات الليبية المسلحة العديدة.
أفضت الطبيعة اللامركزية لـ"جيش التحرير" في ليبيا إلى نتائج متعددة. فعلى الجانب الإيجابي، كان جيش الشعب بطرق عديدة -شعبياً ومشروعاً وشمولياً. وقد تجنب العديد من عمليات النهب والسلب المحتملة التي كان يمكن لجيش صاحب سطوة تنفيذها بمفرده ضد السكان المحليين. وعلى الجانب السلبي، يعني غياب هيكل قيادة وسيطرة أن الوحدات "تعاونت"، لكنها لم "تطع الأوامر".
وأفضى هذا الحال إلى قائمة طويلة من أعمال التمرد والمروق. ولعل الحدث الأكثر بعثاً على الصدمة من هذه الأعمال كان مقتل اللواء عبدالفتاح يونس؛ رئيس الأركان السابق، على يد جماعته. ومن الممكن أن يكون قتل معمر القذافي ونجله المعتصم من نتاج هذه اللامركزية أيضاً (علماً بأن ذلك لم يتأكد). وحتى لو صح أن المجلس الوطني الانتقالي أصدر تعليمات لقواته بإلقاء القبض وليس القتل، فإن تنفيذ تلك الأوامر لم يكن شيئاً سهلاً. ومن الممكن أن تنطبق هذه الحالة أيضاً على الحالة التي تتعلق بالكثير من إساءة المعاملة وقتل الموالين للقذافي، كما سبق وأن ذكر، بما في ذلك ما أورده تقرير "هيومان رايتس ووتش" الذي أماط اللثام عن اكتشاف 57 جثة في مدينة سرت؛ مسقط رأس العقيد القذافي.
ومع ذلك، فإن أسوأ المخاوف من اندلاع اشتباكات عنيفة بين المليشيات لم يتجسد على أرض الواقع. فقد كرهت المليشيات الإقليمية المتنافسة القتال. وثمة سبب واحد لذلك هو الحدس المعاكس؛ إذ خبر العديد من المقاتلين إمارة الحرب أولاً بأول في أفغانستان والجزائر والعراق وغيرها، ووجدوا أن تلك التجارب تنطوي على الرعب. وقال مقاتل من مدينة درنة، كان قد تطوع للقتال في أفغانستان لمرات عديدة: "لقد شهدنا المسلمين يقاتلون فيما بينهم من قبل. ولم تتحرر أفغانستان، ولم تتأسس الدولة الإسلامية.. كفانا كل هذا. إننا نريد فقط تنشئة أولادنا في مجتمع آمن".
استطاع المجلس الوطني الانتقالي الليبي برئاسة مصطفى عبدالجليل خوض مناورة من خلال بضع كوارث محتملة؛ مثل اغتيال يونس، وهو يغذ الخطى بنشاط من أجل الحيلولة دون الوقوع في أتون العنف. وكانت كلمة عبد الجليل المثيرة للجدل بخصوص سيادة قوانين الشريعة في الحقيقة محاولة لتجنب صدام محتمل مع الفرق الإسلامية المسلحة العديدة. وبينما قد لا يرى ليبراليو ليبيا ذلك بهذه الطريقة، فإنه ينبئ بأن كل فقرة من خطابه شددت على دور الإسلام وأهمية نزع السلاح. وكما قال عبدالجليل، فإن "تقديم الشكر لله يجب أن لا يتم من خلال إطلاق الأسلحة. بل يجب أن يكون من خلال تنحيتها جانباً والمباشرة في بناء ليبيا".
سيكون نزع السلاح وتسريح التجييش وإعادة الدمج للفرق المسلحة المتعددة في القوات العسكرية والأجهزة الأمنية وغيرها من البيروقراطيات التابعة للدولة قضية حاسمة في الشهور القليلة المقبلة. ويمكن أن تقدم تجربة جنوب أفريقيا وإعادة دمج مقاتلي حزب المؤتمر الوطني الأفريقي دروساً مفيدة، ومن بينها أن عملية نزع السلاح وتسريح التجييش وإعادة الدمج يجب أن تسير في خط متواز مع التعددية السياسية. وقد تعهد بذلك كل من الدكتور عاشور شوايس؛ رئيس الجهاز الأمني الوطني الليبي، والسيد فوزي بوكتف؛ ممثل الفصائل الثورية. وقد دعيا الليبيين إلى تسليم أسلحتهم والانضمام إلى المؤسسات التي تشكلت حديثاً. وعلى ضوء أن الفصائل مكونة على نحو رئيسي من مدنيين، فقد وعد السيد بوكتف بتسليم كل عربة مدرعة وكل رشاش ثقيل للجيش الوطني. ويجب أن تشتمل عملية نزع السلاح على طائفة واسعة من المزايا والحوافز الاختيارية. وحتى تكسب العملية الصفة الشرعية، فإنها ستحتاج إلى دعم العلماء الدينيين المصدقين وشيوخ القبائل في عموم ليبيا، كما وفي العالم العربي.
أما خط الوقت للصياغة الدستورية في ليبيا وللعملية الانتخابية وللانتقال إلى الديموقراطية، فهي خطوات طموحة حقاً. وستعتمد، بشكل حاسم، على الكيفية التي تتكشف بها العمليات الثلاث، وعلى نجاح المجلس الوطني الانتقالي المؤقت في احتواء الاستقطاب الأيديولوجي من الداخل ومن الخارج على حد سواء، بالإضافة إلى مستوى الدعم الخارجي لعملية الدمقرطة من البلدان الغربية ومن المجموعات المجتمعية المدنية الغربية والعربية.
وإذا ما كتب لتلك العوامل النجاح، فيجب عندها أن تكون ليبيا سائرة على الطريق الصحيح نحو الديموقراطية.


*محاضر في الأنظمة السياسية العربية، ومدير برنامج الدراسات العليا الشرق أوسطية في معهد الدراسات العربية والإسلامية في جامعة إكستر في المملكة المتحدة. وهو زميل زائر في مركز بروكينغز في الدوحة، وهو مؤلف كتاب "نزع راديكالية الجهاديين: تحويل الحركات الإسلامية المسلحة".
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Controlling Libya's Weapons

[email protected]