"الشارقة للكتاب".. نحو العالمية بخطى ثابتة

عاماً بعد عام، تثبت إمارة الشارقة أن مشروعها الثقافي الحاضن لمعرض الكتاب لم يكن مرتبطاً بحدود الإمارة الجغرافية، أو بحدود دولة الإمارات العربية المتحدة، بل كان مشروعاً استثنائياً وعابراً للمسافات، وقادراً على تحويل الإمارة إلى محطة تنويرية عالمية، في صورة أقرب إلى نقطة من نقاط الإشعاع الحضاري ذات البعد الكوني.اضافة اعلان
ورغم أن كثيرا من المشاريع تفقد بريقها مع مرور السنين، إلا أن التقليد السنوي المرتبط بمعرض الكتاب في الشارقة يناقض هذه النظرية، ويُصر على إثبات أن هذا المشروع الريادي يزداد بريقاً وألقاً وقدرة على جذب الجمهور من مختلف اللغات والحضارات.
الرسالة التي يقدمها معرض الشارقة لهذا العام تتجاوز فكرة تسويق أهمية القراءة إلى أهمية المحتوى الثقافي؛ حيث يسعى المعرض الى خلق حالة من التزاوج الحضاري والثقافي عبر تقديم أعمال عالمية من لغات متعددة في إصرار واضح على تسويق مبدأ "كونية الثقافة" التي تقدم للإنسان فرصة للتأمل والاطلاع على نماذج متعددة.
حب الكلمة المقروءة وشغف المعرفة والاطلاع على مختلف الثقافات الإنسانية كان الحاضر الأبرز في أروقة المعرض، الأمر الذي يدفعنا للتفاؤل بمستقبل أفضل نعيشه بين الباحثين عن العلم والمعرفة والمتعطشين للفكر والحضارة، المتجاوزين لعقبات الحدود والمسافات.
وقد يكفينا أن نعلم بأن عناوين الكتب التي ملأت أروقة المعرض قد تجاوزت المليون ونصف مليون عنوان، لندرك المعنى الحقيقي لملتقى الشارقة اليوم الذي منح مكان وتاريخ الولادة لأكثر من 80 ألف عنوان جديد لكتب ارتبط اسمها بالإمارة.
أصر معرض الشارقة لهذا العام أن يزيد من جرعة الأمل السنوية ويثبت أن مسار البناء الثقافي والحضاري للمجتمعات لا بد له من أساسات ترسخ أهدافه وتسير به نحو المستقبل. ذلك تجسد بطفولة حاضرة، كعنوان بارز يؤمن أن استمرارية البناء بحاجة إلى أجيال المستقبل، فهذه الأيام القليلة رقماً، والغنية كماً ونوعاً، حملت في طياتها 950 فعالية للأطفال، شاركت بها أكثر من 12 دولة.
إن النموذج الذي تضربه الشارقة اليوم في فكرة الحفاظ على الموروث الثقافي والتأسيس لواقع أدبي يشكل حجر زاوية رئيسي في فكرة إعادة بناء المنظومة الثقافية العربية، وتقديمها كشريك أساسي للموروث الحضاري الإنساني قادرة على التفاعل بإيجابية والإسهام في عملية البناء الإنساني.
لهذا فإن نجاح الشارقة اليوم في مسارها من عاصمة الثقافة العربية، الى عاصمة الثقافية الإسلامية لتصل اليوم لمحطتها الدولية بصفتها عاصمة عالمية للكتاب 2019 هو نجاح لكل المثقفين العرب، فهذا الإنجاز يشكل فرصة مهمة للحضارة العربية لتبدأ عبر بوابة الشارقة بالتأسيس لمساهمة فكرية حقيقية تسجل حضوراً في تشكيل مناخات الثقافة الإنسانية.