الشبكية في مواجهة الاحتكار والامتيازات

يقتضي الإصلاح بما هو كيف تنشئ المجتمعات والطبقات موارد وأعمالاً جديدة، تحررها من هيمنة النخب والاستبداد والاحتكار والامتيازات والإذعان والوصاية؛ البحث عن الفرص والإمكانيات التي تتيحها الشبكية والتقنيات الجديدة، فبغير الخروج من هذه الدوامة اللعينة، لن تستفيد المجتمعات من الانتخابات والديمقراطية والحريات! وبطبيعة الحال، فإن مواصلة الهيمنة واحتكار منافع التقنية والتنمية على نحو قسري إنما هي بمثابة عمليات وسياسات مضادة للإصلاح، حتى لو سميت هذه السياسات تشجيع استثمار و/أو تحفيزا اقتصاديا و/أو إصلاحا ضريبيا، فلا إصلاح إلا بمشاركة اقتصادية لجميع المواطنين، مشاركة في الملكية والتأثير وتوزيع الموارد والمنافع، وما يتحدث به وزراء ومسؤولون عن العمل والاقتصاد كثير منه يعكس اغترابا عميقا عن الوطن والمواطنين، بل يشي بالكراهية والفوبيا من الفقراء والناس بعامة. والمثال المؤلم لحديث وزير العمل عن حراس العمارات، يظهر الفجوة العميقة في الأفكار والمشاعر بين الوزير والوطن والمواطنين، ليس سيئا جدا أن تبدأ معرفة شخص ما بالوطن بتوليه عضوية مجلس الأعيان ثم وزارة العمل؛ إذ تظهر السيرة الذاتية للوزير أن علاقته بالبلد قبل ذلك لم تكن سوى زيارات أو مرور عابر، ما علينا! تلك قصة تحتاج إلى وقفة طويلة.اضافة اعلان
يجد المُستضعَفون دائماً في التقنية الجديدة فرصاً في التحرر ومواجهة الظلم، وربما يردّ على ذلك بالقول إنها (التقنية) كانت أداة جديدة للهيمنة والاستغلال، ويبدو ذلك صحيحاً أيضاً. ولكن، من المؤكد أنه كانت تصحب التقنية، على مرّ التاريخ، تحولات اجتماعية، تستفيد منها طبقات وفئات، كانت مهمشة أو مظلومة، وترحل دائماً طبقات مهيمنة!
المطبعة جعلت المعرفة والقراءة والكتابة والتعليم متاحةً للفقراء، كما الأغنياء، وأصبح، للمرة الأولى، ويمكن اليوم ملاحظة فرص جديدة تتشكل حول الشبكية، بعضها بدأ بالفعل، يستخدمه المهمَّشون والفقراء، وبعضها ما يزال فرصاً واعدةً تحتاج إلى نضال وتنظيم اجتماعيين؛ ففي التعليم الذي يشكل إحدى الأولويات الأساسية والكبرى للأفراد والمجتمعات والدول يمكن إتاحة تعليم جيد، كان يحتاج من قبل إلى سفر ونفقاتٍ كبيرة، لكنه أصبح متاحاً، أو ممكناً، بتكاليف قليلة، يقدر عليها معظم الناس؛ إذ تفتح تقنيات الحوسبة والتشبيك آفاقاً جديدة في العملية التعليمية، سواء في التدريس أو المناهج أو المؤسسات التعليمية ودورها، ودور الأسرة والمجتمع الذي يكاد يكون ثانوياً، أو غير متكامل، مع دور المؤسسات والإدارة والمناهج التعليمية القائمة.
فيمكن، بموارد قليلة، تطوير التعليم ومواكبة الإنتاج المعرفي المتواصل والمتدفق، والحصول على وسائل معرفية واتصالية وتدريبية، وتؤسس لتعليم جديد قائم على التعليم والتواصل عن بعد، وتمكن من تفعيل اكتساب المعرفة الراقية والمهمة من مصادرها المهمة والأولية، بجهود وتكاليف وتراتيب سهلة وممكنة.
وتمضي الشبكية، أيضاً، بالناس إلى أنماط واتجاهات جديدة في التعليم وإدارته؛ فالترجمة والتأليف والإنجازات، يمكن إتاحتها وتنسيقها، لتكون بين يدي جميع الناس.
القادة الجدد: كانت التحولات الكبرى في الدول والمجتمعات على مدى التاريخ تتشكل حول التطورات في الموارد والتقنية. وفي ذلك، صعدت وهبطت دول وطبقات ومجتمعات وفئات اجتماعية أو مهنية. في مرحلة الصناعة، سقطت الأرستقراطية وصعدت الطبقة الوسطى، وانتهت الديكتاتوريات وصعدت الديمقراطية، ...فمن هم القادمون الجدد في اقتصاد المعرفة، ومن هم المنقرضون؟
لقد وجد الناشطون والقادة الاجتماعيون الجدد مجالاً جديداً للعمل والتأثير، وخرجت من الحصار والتهميش طبقات وفئاتٌ لم يكن متاحاً لها من قبل المشاركة، واتخذ النضال لأجل الكرامة والحريات وتحسين الحياة أدواتٍ ووسائل جديدة، وسلك في آفاق جديدة مختلفة. وسأغامر بالقول، إن النخب التي تشكلت مصاحبة للدولة الحديثة في السنوات المائة الماضية، من قادة السياسة والمجتمعات والأعمال والثقافة والمؤسسات، تؤول إلى السقوط، إلا فئة قليلة منها؛ من القادة الذين يحاولون أن ينهضوا بدولهم ومجتمعاتهم وأعمالهم، ويستوعبوا التغيرات، أو تسعفهم نياتهم الحسنة في الإصلاح. وبعامة، إنها طبقة تلعب في الوقت الضائع، وليس لها أمل في البقاء والاستمرار، سوى أن تطور نفسها، وتشارك القادمين الجدد.
وهكذا، فإن الأرستقراطية القادمة سوف يضاف إليها مجموعتان جديدتان مؤثرتان، بل وحاسمتان؛ قادة المجتمعات، والأفراد الفاعلون من قادة الإبداع والابتكار والخيال والمبادرة!