"الشخصية السلبية".. مبالغة بردود الأفعال تنعكس على الآخرين

الشخصية السلبية لا تحمل معاني التفاؤل بل يبدو عليها دائماً الكسل والانهزام والشكوى- (ارشيفية)
الشخصية السلبية لا تحمل معاني التفاؤل بل يبدو عليها دائماً الكسل والانهزام والشكوى- (ارشيفية)

تغريد السعايدة

عمان- لا تجد هديل لنفسها مهرباً من التعامل مع إحدى الشخصيات "السلبية" في محيطها، فهي مضطرة لذلك بحكم العلاقة القريبة بينهما. لكنها تشعر بطاقة سلبية كبيرة تتسلل لنفسها بمجرد الجلوس والحديث معها، لأنها اعتادت أن تجبر المحيطين بها مجاراتها في حالتها النفسية.  اضافة اعلان
وتعتقد هديل أن هناك أشخاصا يصعب قطع العلاقات الاجتماعية بهم، لكنهم بذات الوقت "منفرون" يبالغون بردات فعلهم تجاه المواقف الصعبة، وكأنهم يفضلون خوض لحظات الحزن والإكتئاب بكل تفاصيلها دون أن يكون هنالك مبرر حقيقي لذلك.
وتعتقد أم عاصم أن الشخصية السلبية موجودة بيننا، سواء في البيت أو العمل وفي علاقاتنا الاجتماعية مع الآخرين، ولكن، بحكم تجربتها، فإن أصعب الحالات السلبية التي تؤثر علينا، حينما تكون تلك الشخصية لأحد المؤثرين في حياة الفرد، كما في الوالدين أو الزوج أو الزوجة.
وتأسف أم عاصم بأن والدتها يمكن وصفها بأنها "سلبية نوعا ما"، كونها تتعامل مع المواقف العائلية والمشاكل اليومية بشكل مبالغ به.
وتعطي مثالا على ذلك، ردات فعلها جراء أي موقف أو نقاش، فمن الطبيعي أن يتلاشى التوتر بمجرد انتهاء الحدث، لكن والدتها لا تتوقف بالحديث عنه والشكوى لأسابيع وسط أجواء من الحزن واحتقان المشاعر، وكأنها نهاية الكون.
وعلى الرغم من ذلك، تحاول أم عاصم وأخوتها وحتى الأحفاد أن يساعدوا الأم في الخروج من هذه الحالة "السلبية"، إلا أنها ترفض ذلك، مما ينعكس على كل أفراد الأسرة.
وفي علم النفس، فإن الشخصية السلبية تنافي الايجابية تماما، فلا تحمل معاني التفاؤل والقوة، بل يبدو عليها دائما الكسل والخمول والانهزام والشكوى، والخوف من القادم والحزن وإعطاء الحدث أكبر من حجمه، وصاحب هذه الصفات يؤثر على من حوله بدرجات متفاوتة وعلى العلاقة مع الآخرين ممن يجدون أنفسهم غير قادرين على مسايرة هذا الشخص بكل ما فيه من "شحنات سلبية"، لها تأثيرها أيضا على المجتمع المحيط.
أخصائية الارشاد النفسي الدكتورة خولة السعايدة تبين أنه لا يوجد مسمى شخص سلبي وآخر إيجابي، وانما هي سمات يتصف بها الفرد وتعطي صورة انطباعية عنه بأنه إنسان "سلبي في صفاته"، أو إيجابي بالمقابل، كما أن الشخصيات في المجتمعات متعددة، واساس تكوين الشخصيات هو طريقة التفكير والمشاعر والسلوك، وبالتالي يمكن تقييم طباع الشخص.
وتشير السعايدة إلى أن بعض الأشخاص لديهم معتقدات غير منطقية وأفكار لاعقلانية، على سبيل المثال، هناك من يعتقدون أنهم "محبوبون"، وعلى الجميع أن يحبهم ويقدم لهم الود بغض النظر عن صفاتهم، وهناك من يعطون الأحداث أكبر من حجمها يبالغون في تضخيم المشاكل أو الأحداث التي يمكن أن تكون "عابرة"، وهم من يمكن أن يطلق عليهم مصطلح "السلبيين".
بيد أن السعايدة تعتقد أن بعض الأشخاص ممن يوصفون
بـ "السلبيين" هم في الحقيقة يمتلكون أفكارا "لاعقلانية أو لديهم تشوهات معرفية غير منطقية بطريقة تفكيرهم"، وهذه التشوهات لا يمكن أن تُحدد بعمر أو جنس أو مستوى تعليمي.
وعلى الرغم من أن التعامل مع الأفراد ذوي "السمات السلبية" متواجد في كل مجتمع، فهذا يعني أن الأمر لا يقتصر على العلاقات الأسرية فقط، وإنما من زملاء العمل أو الحي والمجتمع السكني الواحد، كما يرى الموظف إياد الصافي، الذي يُقر بوجود أشخاص سلبيين حوله في عمله، ولكن المصيبة الأعظم، على حد تعبيره، هي أن يكون ذلك الشخص "مديرك المباشر".
ويقول إياد أن زملاء العمل قادمون من بيئات مختلفة، وهناك من لديه الكثير من المشاكل والعلاقات المتداخلة، وهذا يعني أن علينا ان نكون واقعيين بالتعامل مع الشخص المقابل، ولكن بحكم طبيعة العمل والجلوس لساعات من الزملاء، فإن كثيرا من التوتر أو المشاكل والشد والجذب في الحديث قد يوقعنا في المشاكل.
وهنا يظهر الشخص السلبي الذي يضخم "الزعل"، بعكس الشخص الودود الذي يُسهل الأمور، ويفضل الجميع التعامل معه.
علماء النفس، قدموا العديد من النصائح لمن يتعامل مع شخص "سلبي" بغض النظر عن طبيعة تلك العلاقة، سواء أكانت في العمل أو المنزل أو المجتمع، ولكنهم حذروا من المبادرة  بالحديث عن المشاكل الخاصة أمام الشخص السلبي، لأن ذلك يدفعه إلى إعطاء نصائح سلبية تزيد الأمور تعقيدا، لهذا يجب عدم الانصياع لما يقوله لأنه سيستنزف طاقة من أمامه.
من جهته، يرى الاستشاري الأسري الإجتماعي مفيد سرحان أن الأصل في الإنسان أن يكون إيجابي لأجل نفسه وللآخرين، كون هذه الشخصية هي الأكثر تأثيرا وقبولا في المجتمع والأسرة، على عكس تلك التي تحمل صفات سلبية تنعكس على صاحبها في البداية وتؤثر عليه نفسياً وأحيانا صحيا.
وهنا، لا بد من الإشارة، بحسب سرحان، أن يدرك الشخص "السلبي" خطورة ما يتصف به وأن يُقر بذلك، ويبدأ بعلاج نفسه ذاتيا بمساعدة المحيطين لتعديل سلوكه، وهي مهمة ليست بالسهلة في ذات الوقت.
ويؤكد سرحان أن التأثير الإيجابي يكون فيه مصلحة الطرفين، إذ أن مساعدة الشخص السلبي سواء كان الأب أو الأم والزوج والزوجة أو الأبناء، على حدٍ سواء أمر مهم للغاية، مع ضرورة التأكيد على عدم الاصطدام مع مثل هذه الشخصيات ومعرفة الطريقة الصحيحة للتعامل معها، فضلا عن الاستعانة بأهل الاختصاص في حال كانت الحالة "شديدة السلبية".