الشرق الأوسط: الديمغرافية كعامل حاسم

إسرائيل هيوم

بقلم: ايال زيسر

اضافة اعلان

كانت أيام اعتبرت فيها المسألة الديمغرافية كالمسألة الأساس في النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني، والجميع يتذكر أقوال ياسر عرفات التي جاء فيها أن رحم المرأة هي السلاح الوطني للفلسطينيين، والذي بواسطته سيصبحون الأغلبية بين النهر والبحر وهكذا يؤدون إلى نهاية إسرائيل. غير أن هذه الأيام انقضت، ويتبين بان الأغلبية اليهودية متينة أكثر مما كانت في أي وقت مضى، وذلك ضمن أمور أخرى بسبب موجات الهجرة من روسيا ومن اثيوبيا وكذا لزيادة الولادة في الوسط الحريدي.
في العقد الأخير، عادوا ليتحدثوا في الشرق الأوسط عن الديمغرافيا وعدد الولادات، حالات الموت والهجرة. غير أن الحديث لم يعد يدور عن الصراع الذي بين إسرائيل والفلسطينيين، بل عن الصراع السُني – الشيعي وفي واقع الأمر الصراع بين إيران وبين الدول العربية، الذي أصبح مسألة مركزية على جدول أعمال سكان المنطقة. في هذا الصراع تلعب الديمغرافيا دورا مركزيا، وعند الحاجة، لا يمتنع الإيرانيون وحلفاؤهم عن "هندسة" الديمغرافيا بحيث تخدم تطلعهم للهيمنة الاقليمية.
في سورية، التي شكل فيها ابناء الطائفة السنية أغلبية نحو 60 في المائة من عموم سكان الدولة عشية نشوب الحرب الاهلية مقابل العلويين الذين تنتمي اليهم سلالة الأسد، والذين لم يبلغوا سوى نحو 12 في المائة، وقع تحول كامل. هذا التحول هو من فعل النظام السوري وحلفائه، روسيا وإيران، الذين اجروا تطهيرا عرقيا في اثنائه طرد أو هرب من الدولة نحو ثلث سكانها، نحو 8 مليون سوري، غالبيتهم الساحقة ابناء الطائفة السُنية من المناطق الريفية التي نشبت فيها الثورة ضد الأسد ونظامه. في المنطقة حيث يسيطر الأسد اليوم بقي نحو 10 ملايين سوري، ومعدل العلويين يقترب من الضعف الى نحو ربع وربما حتى أكثر.
في العراق أيضا وقعت انعطافة في اعقاب الاحتلال الأميركي، الذي أدى إلى اسقاط صدام حسين، الذي كان – مثل كل أسلافه في الحكم – ابن الطائفة السنية. معدل الشيعة المسيطرين في الدولة ارتفع إلى نحو 65 في المائة والباقون ينقسمون بين الأكراد وبين العرب السنيين الذين أصبحوا طائفة هامشية والكثيرون منهم حتى فروا إلى سورية.
في لبنان أيضا أصبح الشيعة الطائفة الأكبر في الدولة، إلى ثلث عدد السكان، مقابل المسيحيين الذين فقدوا الأغلبية التي تمتعوا بها ولا يشكلون اليوم الا نحو ربع سكان لبنان، واخيرا السُنة بل الدروز الذين هم ايضا نحو ثلث السكان.
غير أن في لبنان وقع تحول آخر في اثناء الحرب الاهلية، واليوم واحد من كل ثلاثة لبنانيين (نحو 2 مليون من اصل 6 ملايين) هو لاجئ سوري أو لاجئ فلسطيني.
كل هذا قبل أن نذكر الزيادة الطبيعية المتسارعة، وبالمقابل تناقص المقدرات الطبيعية بسبب أزمة المناخ، والتي تحكم السكان في المنطقة للضائقة، النقص والفقر.
الهلال الخصيب لم يعد سُنيا مثلما كان على مدى ألف سنة، وفي هذا ظاهرا لا يخدم تطلعات الهيمنة الإيرانية، التي تسعى لان تعزز مكانتها في المنطقة بواسطة احتدام التوترات الطائفية ولا تمتنع عن احداث تغييرات ديمغرافية تخدمها. يتبين إذن ان ليس كل شيء يقع في المنطقة يرتبط بإسرائيل وبنزاعها مع الفلسطينيين.