الشركة الوطنية القابضة

خالد واصف الوزني

التوجه الذي أعلنه دولة رئيس الوزراء، مؤخراً، لإنشاء شركة وطنية قابضة تتشارك فيها الحكومة مع القطاع الخاص والأفراد، مبادرة تُشكل بداية حقيقية لإثبات جدية الحكومة نحو تنشيط عجلة الاقتصاد.اضافة اعلان
الخطوة الجديدة مخرج حقيقي يمكن، إذا ما تم تنفيذه بشكل صحيح، أن يحقق مجموعة كبيرة من الأهداف الوطنية. فمن ناحية، توجُّه الحكومة نحو تخصيص جزء من أموالها، حتى لو كان عن طريق الاقتراض الداخلي أو الخارجي، نحو الاستثمار في الاقتصاد الوطني، هو بمثابة رسالة واضحة للداخل والخارج بأنَّ هناك فرصاً كبيرة يمكن الاستثمار بها في البلاد.
ومن ناحية ثانية، فإنَّ مشاركة الحكومة للقطاع الخاص في هذه المبادرة تعني الشراكة الحقيقية بين الجانبين في الخروج من حلقة الاتهامات بمن هو السبب وراء تكميش النمو، ومن هو القادر على تحريكه مرة أخرى.
فالاقتصاد الأردني، كما أقول دوماً، يحلّق بجناحين؛ القطاع الخاص والقطاع العام، وسلامة التحليق وأمنه واستدامته تكمن في عمل الجناحين بتناغم وبقوة وتنسيق وانسجام.
ومن ناحية ثالثة، فإن إشراك الأفراد من داخل البلاد وخارجها، عبر السماح للمغتربين في الاكتتاب أو الاستثمار في الشركة، هو أيضاً بمثابة الربط مع فئات المجتمع المختلفة.
ولعل من المفيد هنا وضع مجموعة من الملاحظات الأولية التي لا بد من الانتباه إليها وأخذها في الحسبان لنجاح هذه المبادرة.
وبداية، لا بد من أن تكون الشركة القابضة ذراعا استثمارية تجارية حقيقية، وهي بتعريفها شركة "مساهمة عامة" استثمارية تنفذ أعمالها عبر شركات تابعة وشراكات مع الآخرين. وهنا من المهم أن تكون شركة رشيقة، من حيث عدد القائمين عليها، مع الحرص على نوعية المنضمين إلى كوادرها، بعيداً عن المحسوبية والواسطة والتدخلات، وأن تقوم بأعمالها وفق أسس استثمارية بعيداً عن إملاءات أو ضغوط من هنا أو هناك.
وهذا يُحتم ألا تزيد حصة الحكومة على 25 %، ضماناً للضبط والتوجيه الاستثماري، ومنعاً للسيطرة غير الحميدة. وهنا لا بد أن يكون مجلس إدارة الشركة القابضة، وإدارتها التنفيذية، من المختصين المستقلين الموثوقين، وأن يعملا ضمن حاكمية رشيدة توازن بين استقلالية القرار والشفافية في اتخاذه من جهة، والمحاسبة والمساءلة عن أي قرار وفق قنوات الحاكمية الرشيدة المعروفة من ضوابط التدقيق الداخلي والخارجي، وعبر سياسات الشفافية والمكاشفة أمام الهيئات العامة للشركة والشركات التابعة من جهة أخرى.
يضاف إلى ما سبق ضرورة أن يتكون رأسمال الشركة من حصص يتم ضخ 50 % منها نقداً عبر استثمارات مباشرة من الحكومة والمؤسسات المالية الكبرى، خاصة البنوك والضمان الاجتماعي، وبحيث يشكل ذلك حصة المؤسسين، شريطة عدم خروج أي منهم من ذلك الاستثمار قبل مرور 10 سنوات من التأسيس، منعاً للمضاربة على سهم الشركة.
وتترك النسبة المتبقية، 50 %، للاكتتاب العام للأفراد داخل البلاد وخارجها، إضافة إلى السماح باكتتاب الصناديق الاستثمارية الوطنية للنقابات وغيرها من مؤسسات المجتمع المدني، وخاصة الجامعات. وختاماً، يجب ألا يقل رأسمال الشركة عن مليار دينار، لغايات الجدية في تمويل مشاريع وطنية كبرى ذات دخل وعائد مناسب، في مجالات البنية التحتية، والصناعة، والسياحة، والزراعة، والخدمات اللوجستية والمساندة. مع ضرورة ألا ينحصر عمل الشركة في محافظة واحدة، بل في محافظات المملكة كافة، مع الاستعانة بالخريطة الاستثمارية التي تم إعدادها سابقاً لتلك المحافظات.
كما أنه من المهم أن تؤسس الشركة صندوقاً استثمارياً لتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة، مع التركيز على مشاريع الشباب من الجنسين، ومن الضروري أن يقدم هذا الصندوق تمويله للمشاريع المختلفة وفق أسس مدروسة وبكلف مناسبة؛ حيث إن شركات التمويل المتاحة تكاد تصل فوائد إقراضها إلى ما يزيد على 35 %، وبالتالي فمن المفيد أن يكون للشركة القابضة، عبر أحد استثماراتها، صندوق تمويل، أو نافذة تمويلية بالتعاون مع البنوك التقليدية والإسلامية، لتحفيز مشاريع الشباب الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر.
هناك العديد من المقترحات الأخرى والشروط المطلوبة لنجاح هذه المبادرة، إلا أن المقام لا يتسع هنا لشرحها جميعاً، بيد أن المقصود هنا تشجيع ودعم هذه المبادرة التي أطلقها الرئيس، والتي يجب أن يبدأ العمل عليها فوراً وألا تنتظر المزيد من الوقت أو التأخير.