الشفافية في التمويل الإسلامي.. التجربة الأردنية (2-2)

د. غسان الطالب

استكمالا لمقالتنا السابقة، لا بد من التأكيد أن الانتشار السريع والواسع للصناعة المصرفية الإسلامية يتطلب اليوم إعادة النظر في المفاهيم التي بدأت بها مؤسساتها في إدارة أعمالها، عند بداية تجربتها، للحد الذي أصبحت به اليوم من الركائز الأساسية للاقتصاد الإسلامي لا بل ذات مكانة فاعلة ومؤثرة في الاقتصاد العالمي. ولا بد من العمل على إيجاد الصيغ التشريعية والرقابية المناطة بالمصارف المركزية لضمان جودة أداء هذه الصناعة ويحقق عناصر الثبات ومواجهة التحديات التنافسية سواء في السوق المصرفي المحلي أو الخارجي، ولتحقيق ذلك لا بد من الأخذ بعين الاعتبار مبدأ الشفافية المرتكزة على قاعدة الحاكمية والمعتمدة على عاملين أساسيين هما:اضافة اعلان
- العوامل الداخلية التي تمثل مجموعة من المحددات والقواعد والأسس التي تحدد طرق اتخاذ القرار وعدم التعارض في السلطات الممنوحة لكل من الجمعية العامة ومجلس الإدارة وهيئة المديرين.
- العوامل الخارجية متمثلة في البيئة الاستثمارية في البلد والتي تتضمن القوانين والتشريعات المنظمة للسوق وكفاءة القطاع المالي وقدرته على توفير التمويل المطلوب وكفاءة الهيئات الرقابية وما إلى ذلك.
والعامل الأساس والمهم في تطبيق ونجاح هذه المهام أمام مصارفنا ومؤسساتنا الإسلامية هو التمسك بمنظومة النزاهة والشفافية وتطويرها بما يضمن حسن الأداء وجودة المنتج المالي والخدمي لديها.
أهمية هذا الحديث اليوم تأتي للوقوف أمام التحديات المستجدة والتي بدأت ملامحها تهب على العالم مع بوادر أزمة عالمية جديدة، وقد تكون مرحلة متطورة من الأزمة المالية والاقتصادية العالمية التي اندلعت في العام 2008، لكن هذه المرة بؤرة الشرارة ستكون من الصين ثاني أكبر اقتصاد عالمي إن لم يكن الأهم، والخطورة هنا في كون الصين ترتبط بشبكة علاقات اقتصادية تقريبا مع دول العالم كافة، ما يعني في حال تطورها ستتأثر بها العديد من اقتصاديات العالم، ما يعني احتمالية تعرض بلدان العالم العربي والإسلامي موطن الصناعة المصرفية الإسلامية، الى التأثر المباشر بهذه الأزمة، وخاصة المصارف الإسلامية العاملة في مجتمعاتها؛ أي أن احتمالية تأثرها هذه المرة ستكون على عكس ما حصل في الأزمة المالية العالمية السابقة، بمعنى ستكون معرضة لتحد جديد عليها الاستعداد لمواجهته، في الوقت الذي بدا واضحا للجميع حجم الاهتمام العالمي السابق بالمصرفية الإسلامية ووسائل مواجهتها للأزمة المالية العالمية التي حلت بالعالم منذ العام 2008.
وفي هذا السياق، فإننا نرى أن النزاهة، والصدق، والشفافية من أهم الجوانب الأخلاقية في أعمال الصناعة المصرفية الإسلامية، والتي أكسبتها المزيد من الثقة محليا وعالميا، وأن علينا اليوم مسؤولية مضاعفة سواء كنا منظرين وباحثين في هذه الصناعة أو أصحاب قرار لتأكيد مبدأ الشفافية والوضوح في كل العمليات التي يقوم بها المصرف، لذا فإننا نقترح ما يلي:
- تأكيد وجود نظام حوكمة مناسب يُحدد من خلاله معايير اتخاذ القرارات التمويلية في المصرف وصلاحيات المعني باتخاذ مثل هذه القرارات.
- وضع استراتيجية للمصرف تهدف الى وضع أهداف اجتماعية واضحة تمكنه من تنفيذها في خطوات مدروسة ضمن احتياجيات المجتمع.
- وجوب تبني مدونة سلوك مهني وأخلاقي تكون إلزامية للجميع يسعى المصرف الى تعميمها على العاملين كافة ويوضع ضوابط تضمن الالتزام بها.
- إيجاد برامج تدريبية متخصصة بين فترة وأخرى بطبيعة المصرف الإسلامي لأصحاب الوظائف ذات المخاطر المرتفعة.
- عدم اعتبار ربحية المصرف الإسلامي تقاس فقط على أساس العائد المالي، بل يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار العائد الاقتصادي والاجتماعي المتحقق من عمل المصرف.
- تشخيص الممارسات الخاطئة في عمل المصرف لتجنبها تحقيقا لمبدأ الشفافية والأمانة في أدائه ووضع البدائل لها.
- تأكيد مبدأ الرقابة والتقييم الذاتي بشكل دائم ومراجعة المصرف لسلوكه وأعماله بنفسه ضمن برنامج يوضع لهذا الغرض.
- تقديم الحوافز والمكافآت للعاملين لضمان جودة أدائهم وتعميق انتمائهم للمصرف. وبهذا يكون المصرف الإسلامي قد أدى رسالته الأخلاقية والاجتماعية وحقق النجاح المطلوب.

*باحث ومتخصص في التمويل الإسلامي