.jpg)
منى أبو صبح
عمان- لم تستطع الثلاثينية أم رائد احتمال غيرة زوجها الزائدة، التي وصفتها بـ”الشك” ففي بداية حياتها الزوجية كان يزعجها بإقفال الأبواب عليها من الخارج حين مغادرته للمنزل، ولا يكف عن استعراض الأرقام التي اتصلت بها أو التي تلقتها في غيابه.
تقول “وصلنا إلى طرق مسدودة وشعرت أن الشك يقتله ويقتلني معه، فلم احتمل السجن الذي كنت فيه”، متابعة “قررت اخبار والدي، والذي بدوره تحدث مع زوجي ومنحه فرصة لتغيير طريقة معاملته هذه، وبقيت في منزل أهلي شهرين متتاليين”.
وتضيف “وبعد ذلك عدت إلى زوجي الذي طلب مني نسيان ما مضى ووعدني بتغيير معاملته معي، وعلمت فيما بعد أن السبب في شكه أنه كان له عدد من العلاقات الغرامية قبل الزواج”.
الشك في الحياة الزوجية يقتل السعادة، وهو الوجه السيئ من الغيرة، ينهك الطرفين بدوامة الأسئلة والرقابة، وغالبا ما تتسع دائرة الشك وتظهر بسلوكيات وتصرفات مستفزة بين الزوجين فأحدهما يعاني من نار الشك والآخر يحاول إخمادها، وفي هذه المحاولات يخيم الصمت تارة والصراخ تارة أخرى.
ويرجع الشك، وفق مختصين، لأسباب نفسية أو اجتماعية أو اعتقاد مغلوط ينتج عن تفسير لبعض المشاكل بينهما والتي يتعامل بها طرف ويرفضها الآخر.
وتصف ربة المنزل عبلة صلاح (أم لطفلين) زوجها بأن لديه غيرة مفرطة، فقد حاولت معه كثيرا ليتخلص من تلك الصفة السيئة ولكن دون جدوى، ووصل به الحال لاستجواب الابناء بعد كل زيارة تقوم بها، ويقوم بسؤالهم عن كل التفاصيل في الجلسة.
وتقول “شعرت أن أبنائي أصبحوا يراقبونني بكل صغيرة وكبيرة، وتجاوزت المشكلة من علاقتي معه إلى أبنائي، وبقيت في حيرة كيف أتصرف معهم، هل أنتقد أباهم أمامهم أم اتركهم حتى يصابوا بمرض الشك كوالدهم”.
وتضيف “تلقيت نصائح من عائلتي وصديقاتي المقربات بأهمية الحوار لحل هذه المشكلة، وأن هذه الطباع السلبية تختفي بمرور الأيام، وفي الحقيقة لا أعلم إذ أنها ستنتهي بالفعل أم لا”.
ويرى الاختصاصي النفسي د. خليل أبو زناد أن الشك بشكل عام فكرة تتملك الإنسان تجاه الأشخاص أو الأماكن أو الأشياء أو المواقف وتؤدي إلى ضيق واضطراب في المزاج، وهو تحير الشخص الشكاك في وقوع الشيء وعدمه، بحيث يتساوى احتمال وقوع الفعل أو عدم وقوعه دون رجحان أحدهما على الآخر. وهو بذلك يختلف عن الظن والذي يكون فيه احتمال الوجود أو احتمال العدم أحدهما أرجح من الآخر.
يضيف، وهو شعور إنساني عادي إذا كان في حدوده الطبيعية، أما إذا صار مرضيا، فيمكن أن يكون تأثيره سلبيا على حياة الإنسان ومن حوله.
والشك، وفق ابو زناد، مرتبط بشخصية الإنسان والتي يلعب في تكوينها كل من العوامل الوراثية والعوامل البيئية الخارجية، ويختلف الشك باختلاف مزاج الفرد وذكائه وظروفه الاجتماعية والاقتصادية وتنشئته الاجتماعية التي يتطبع بها في بيئته الأسرية. كما يشكو الموظف سائد علي (42 عاما) من غيرة زوجته وشكوكها به دوما، ويرى بأنها تسببت له بالعديد من المواقف المحرجة أمام عائلته والأقارب والأصدقاء، وعليه نشبت مشاكل كادت تصل للطلاق بينهما.
يقول علي “أتحدث مع زوجتي دائما عن أهمية الثقة بين الزوجين، وأنني أثق بها، فلماذا لا تبادلني ذات الأمر، وللأسف ينتهي الحديث دون فائدة أو يتحول لمشاجرة كلامية تثير غضب الطرفين”.
من جهته يبين الاختصاصي الاجتماعي د. حسين الخزاعي أن فقدان الثقة بين الزوجين “من أخطر” المشكلات الاجتماعية التي تواجه الأسرة، خاصة إذا كانت الأسرة في بداية تأسيسها، وهناك العديد من الأسر التي انهارت بسبب الشكوك، كما أن العديد من الأسر التي تعاني وما تزال من المشاكل التي تترتب على ضعف أو فقدان الثقة.
ويقول “تعود مشكلة فقدان الثقة بين الزوجين والذي يتبعه عادة زيادة في الشك والقلق بينهما، وبذلك يفسر كل منهما سلوك الطرف الآخر بناء على شكوكه ومخاوفه، ولا يمكن الاعتماد على عامل واحد في تفسير الشك”.
ولكن الشك يعود إلى العديد من العوامل التي يمكن أن تكون سببا لحدوث الشك بين الزوجين، وفق الخزاعي الذي يرى أنها تنقسم إلى أسباب نفسية ذاتية، وأسباب خارجية اجتماعية، وهذه الأسباب شاملة للزوجين.
ومن أسباب الشك وعدم الثقة بين الزوجين الكذب، وإخفاء بعض الأمور عن الطرف الآخر، وضعف الوازع الديني، ووجود بعض التغيرات في حياة أحد الزوجين أو كلاهما، إلى جانب عدم الحكمة في بعض التصرفات، والقيام ببعض السلوكيات التي تثير الشك سواء من الزوج أو الزوجة.
ويضرب خزاعي مثلا في ذلك بقوله، “المرأة عندما تشك في زوجها تفسر سلوكه وتصرفاته بوجود امرأة أخرى في حياته، وتبدأ ملاحقته بالأسئلة (أين سيذهب، ومتى سيعود وتراقب هاتفه النقال)، وكذلك الرجل لا يختلف عن المرأة لأنه إذا شك في تصرفاتها فإنه، يبدأ بمراقبة تحركاتها واتصالاتها ويتدخل في جميع خصوصياتها”.