الصرع: فشل خلايا الدماغ

الصرع: فشل خلايا الدماغ
الصرع: فشل خلايا الدماغ

 

عمّان-الغد- تروي أم أحمد حكاية ابنها أحمد البالغ من العمر ثمانية عشر عاما مع مرض الصرع فتقول: أحمد ابني البكر وقرة عيني، في أحد الأيام عندما كان أحمد في العاشرة كنا في السيارة يقودها زوجي بسرعة عالية أدت إلى حادث تصادم مع مركبة أخرى على الطريق.

اضافة اعلان

وتضيف "الحمد لله أنه لم ينتج وفيات عن ذلك الحادث المشؤوم إلا أن إصابة أحمد كانت في الرأس، الأمر الذي أدى إلى دخوله في غيبوبة أفاق منها في المستشفى بعد ثلاثة أيام، بعد خروج أحمد من المستشفى كانت الأمور طبيعية إلى أن جاء اليوم الذي فقد فيه أحمد الوعي فجأة، وسقط وتراخت عضلاته لدقائق بعدها غط في نوم عميق!!".

وتتابع "أخذنا أحمد إلى الطبيب الذي شخص إصابته على أنها مرض الصرع، لا أخفي عليكم أن صدمتي في البداية كانت عنيفة ولم أتمالك نفسي، وظللت على هذه الحالة فترة من الزمن بالرغم من أن الطبيب أخبرني أن مريض الصرع إنسان عادي يمكنه ممارسة الأنشطة اليومية الاعتيادية من دراسة وعمل ورياضة وسفر.. كباقي البشر، وأنه عليَ وعلى جميع أفراد الأسرة التعامل مع أحمد بحكمة وروية وعقلانية، وتفهم احتياجاته الخاصة مع زرع الثقة في نفسه وتشجيعه على العمل الجاد المثابر، لذلك ومع مرور الوقت تقبلت الأمر الواقع وأخذت على عاتقي العمل على دعم أحمد من الناحية النفسية والمعنوية والعلاجية. كانت مشاعري جياشة نحو أحمد، إلا أني كنت أتجنب الدلال المفرط وأحاول قدر استطاعتي أن أشجعه على الدراسة وأشد من عزيمته، كما كنا أنا ووالده نتحدث معه باستمرار ونحاول الإجابة عن كافة التساؤلات التي تدور في خلده حول مرضه، وكنا نحرص على أن يتناول أدويته في مواعيدها.في السنة التي تقدم فيها أحمد لامتحان الثانوية العامة (التوجيهي) كنت أشعر بخوف شديد على أحمد، وكانت الأفكار السوداء لا تفارقني؛ حيث أني كنت أفكر فيما لو فاجأت نوبة الصرع أحمد خلال الامتحان!! إلا أني لم أكن أظهر له هذا الأمر، ذلك أني كنت أراه يدرس بجد واجتهاد ولم أكن أريد أن أقلل من عزيمته أو أن أحبطه".

وتختم "الحمد لله، مر الامتحان بسلام وجاءت النتيجة مفاجئة؛ فقد حصل أحمد على معدل 92.9 في الثانوية العامة وهذا ما أهله لدراسة الهندسة، ابني الآن يدرس الهندسة الميكانيكية في الجامعة الأردنية وأنا فخورة جدا به..، وبعد هذه التجربة أقول لكل أم وأب لديهما فرد يعاني من مرض الصرع ألا يقنطا من رحمة الله عز وجل، وأن يعملا بجد ومثابرة حتى يستطيعا إيصال ابنهما إلى بر الأمان..".

صفحتنا الصحية في هذا اليوم سوف تكون مخصصة للحديث عن مرض الصرع؛ أسبابه وكيفية التعامل مع مرضاه، والعلاجات المستخدمة للتخفيف من حدوث نوباته.

الصرع:

مرض الصرع عصبي ينتج عن فشل الدماغ في التحكم بإنتاج الطاقة الكهربائية التي ترسل عبر الجهاز العصبي وتحرك العضلات وتتحكم بالأحاسيس، وينتج عن ذلك اضطراب دماغي تضطرب بسببه الأنماط الطبيعية للأنشطة العصبية.

أعراض الصرع:

كما سبق أن ذكرنا فإن الصرع ينتج عن فشل خلايا الدماغ، ولذا فإن الأعراض التي ترافق مرض الصرع تختلف باختلاف الجزء المصاب من الدماغ، من هنا فمن المفيد التحدث عن أنواع الصرع، ومن ثم الحديث عن الأعراض المرافقة لكل منها، إذ هنالك أنواع كثيرة من النوبات مصنفة تحت النوبات الجزئية أو الكلية.

فإذا كانت النوبة ناتجة عن أنشطة شاذة في جزء واحد من الدماغ تدعى حينها نوبات جزئية، وإذا حدثت نتيجة أنشطة لها علاقة بجميع أجزاء الدماغ تدعى حينها نوبات كلية.

أنواع النوبات الجزئية التي تصيب جزءا معينا من الدماغ:

• الصرع الجزئي البسيط: وهذا النوع من الصرع لا يؤدي إلى أن يفقد المريض وعيه، بل تظهر علاماته على شكل اضطرابات حسية في مجال الرؤية والشم والسمع والإحساس والتذوق، وبعض التغيرات الانفعالية.

• الصرع الجزئي المعقد: تؤثر الإصابة بهذا النوع من الصرع على وعي المريض فيغيب عن الوعي فترة من الزمن، وتبدأ نوبة الصرع لدى هذا المريض بحركات لا إرادية مثل فرك اليدين ببعضهما البعض وحركات في الشفتين أو التحديق.

أنواع النوبات الكلية التي تصيب جميع أجزاء الدماغ:

• الصرع الخفيف الغيابي Absence seizures) petit mal): هو عبارة عن خلل ينتج عن وجود شحنات كهربائية زائدة في الدماغ، يؤدي إلى فقدان المريض للشعور لمدة قصيرة، وأحيانا يصاحب ذلك اختلاجات بسيطة في الوجه والأطراف أو يصاب المصاب بالشرود بعض الوقت وترتفع عينه لأعلى.

• النوبات الرمعية العضلية Myoclonic seizures وهي عبارة عن واحدة أو أكثر من الانتفاضات العضلية القصيرة التي لا تتجاوز مدتها بضع ثوان.

• نوبات الصرع الارتخائية Atonic seizures أو ما يسمى بنوبات السقوط؛ حيث ينهار المريض ويرتخي بشكل مفاجئ ويسقط على الأرض.

 • نوبات الصرع الكبير أو ما يسمى بنوبات الصرع التوترية الارتجاجية الشاملة Tonic-clonic seizures (grand mal) وهو أكثر أنواع الصرع شدة؛ يفقد فيه المريض الوعي وتتشنج عضلاته ويبدأ بالارتعاش، وفي بعض الأحيان يعض المريض لسانه أو يفقد السيطرة على مثانته.

وهكذا نرى أن الأعراض المصاحبة لنوبات الصرع تختلف من مريض لآخر، ولكن بشكل عام يمكننا القول أن من أهم أعراض الإصابة بنوبة الصرع ما يلي:

1. فقدان الوعي بصورة مؤقتة أو دائمة.

2. التحركات التشنجية اللإرادية.

3. حدوث ارتعاشات حول العين أو الفم في حالة حدوث نوبات الصرع الخفيفة، ففي هذه الحالة يظهر المصاب علامات الشرود الذهني من غير أي تغيير يطرأ على وضعيته التي كان عليها قبل حدوث النوبة.

4. أمّا في النوبات الكبيرة فإن المصاب يسقط على الأرض فاقدا الوعي، ويخرج من فمه رغوة غالبا ويبدأ بالعض وهز أطرافه بعنف، وقد يؤذي المريض نفسه أثناء النوبة، ولكن غالباً ما يحس المريض بنوع من الإنذار أو التحذير قبل النوبة، حيث يشعر بصوت قريب من الطنين في الأذنين، وقد تظهر بقع أمام العينين أو تحصل نمنمات في الأصابع..، وهذا الإنذار من شأنه أن يعطي للمصاب بالصرع الفرصة للاستلقاء والابتعاد عن المواد الصلبة تجنباً للإصابة.

العقاقير الخيار الأول لعلاج مرض الصرع

أهم طرق معالجة الصرع هي باستخدام العقاقير المضادة للتشنج، فالعلاج بالعقاقير هو الخيار الأول في معظم حالات الصرع، وهناك العديد من العقاقير المضادة للصرع، التي تستطيع التحكم بأشكال الصرع المختلفة، وقد يحتاج المريض في العديد من الحالات أكثر من نوع واحد من العقاقير المضادة للتشنج.

وعند استخدام هذه العقاقير تتوقف نوبات الصرع عند معظم المرضى حالما يبدؤون بتناول الدواء؛ أما البعض الآخر فقليلا ما يصابون بالنوبة ولكنها لا تختفي تماما، ومن الممكن أن يعيش نصف الأطفال الذين يتناولون الدواء في النهاية حياة خالية من نوبات الصرع والدواء، ويمكن أن يتوقف البالغون عن الاستمرار في تناول الدواء بعد مرور سنتين أو أكثر من عدم حدوث نوبات صرع.

وبشكل عام فإن المنظومة العلاجية المتبعة في علاج مريض الصرع تهدف إلى ما يلي:

1. منع أو تقليل حدوث نوبات الصرع بإعطاء العقاقير العلاجية اللازمة.

2. السيطرة على العوامل التي تؤدي إلى حدوث نوبة الصرع عند المريض.

3. منع حدوث مضاعفات خطيرة خلال حدوث نوبات الصرع للمريض مثل الاختناق أو عض اللسان أو الإصابة بجرح.

4. تشجيع المريض على العيش بطريقة عادية والعمل على زيادة ثقته بنفسه.

5. منع حدوث آثار جانبية للدواء على المديين القصير والطويل.

6. منع حدوث تفاعلات بين الأدوية المختلفة عند تزامن إعطاء أكثر من علاجين مع بعضهما البعض.