الصفقة الإيرانية وفوضى الإدراك العربي

اتسمت ردود الأفعال العربية على أنباء الصفقة الإيرانية الغربية التي أنجزتها مجموعة "5+1" بعد مفاوضات طويلة، بالإرباك وعدم الوضوح، حتى داخل المجموعة الواحدة، مثلما هي الحال بالنسبة لدول الخليج التي لم تخرج بموقف موحد يقيّم هذا الحدث التاريخي.اضافة اعلان
من الواضح أن كل طرف من الأطراف المعنية بهذا الملف له تفسيره الخاص لهذا الاتفاق. وهو ما ينطبق على الرفض الإسرائيلي، أو على الحفاوة الإيرانية. فيما بقيت المواقف العربية غير متماسكة في تحديد قيمة الاتفاق من منظور المصالح الاستراتيجية العربية، وهل يشكل بالفعل بداية لنهاية الآمال الإيرانية بامتلاك القوة النووية بعدما حدد الاتفاق نسبة التخصيب المسموحة بما لا يتجاوز 5 %، بينما يحتاج اليورانيوم لأغراض عسكرية إلى نسب تتجاوز 20 %، أم أن هذا المبرر لا يشكل أكثر من مسوغ مرحلي للقبول بإيران النووية، بعدما أدرك الغرب أن مرور عقد من المفاوضات والعقوبات والتهديد، لم يأت مع إيران بفائدة؛ بل إن برنامجها النووي استمر في الصعود؟ وكأن لسان حال الغرب يقول: القبول بإيران دولة نووية داخل الحديقة الغربية وبشروط الغرب، أفضل من الاستمرار بالوضع الحالي.
الفائدة الحقيقية التي جنتها إسرائيل خلال مرحلة الوعيد والتهديد الإيراني، وحتى في مرحلة المفاوضات الطويلة، هي فائدة سياسية؛ حينما استطاعت إقناع الغرب بأن الخطر الإيراني يشكل أولوية في الشرق الأوسط تفوق أي أولوية أخرى، ما أدى إلى تراجع أهمية القضية الفلسطينية ومكانتها. وهذا الأمر انسحب أيضا على دول عربية عديدة، أعادت تموضعها الاستراتيجي خلال سنوات العقد الماضي استناداً لمنظور الخطر الإيراني، بأبعاده النووية والطائفية، على حساب الخطر الإسرائيلي. ولعل هذا ما يخشاه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي وصف الاتفاق بأنه "خطأ تاريخي".
بمعنى آخر، ما تخشاه إسرائيل هو البعد السياسي لهذا الاتفاق، أكثر من البعد الاستراتيجي الظاهر للعيان. وهذا ما يحتاج أن يدركه العرب جيدا، من خلال مسار تطور المواقف الإسرائيلية والغربية من الملف النووي الإيراني، وكيف تم تضخيم خطورة المشروع النووي الإيراني على مستقبل إسرائيل، وكيف تم توظيف هذا البعد لمصالح سياسية إسرائيلية.
في هذه الأجواء، على الأطراف العربية أن تصل إلى قناعة بأن من حق إيران أن تصبح قوة إقليمية، ومن حقها استخدام الوسائل والأدوات التي تحقق لها هذا الطموح الذي بات يتحقق بالفعل. وعلى العرب أيضا الاعتراف واقعياً بأن إيران طرف أصيل في المنطقة، وبوارجها العسكرية في الخليج العربي موجودة قبل أن تُكتشف أميركا ذاتها. فيما على إيران أن تصل إلى قناعة بأن شرعية دورها الإقليمي وفاعليته لن تتحقق من دون الوصول إلى تفاهمات الحد الأدنى مع الطرف العربي، المتمثل بالتحديد في السعودية ودول الخليج ومصر ودول المشرق، ودورها في المساهمة في حسم الملفات العراقية والسورية واللبنانية. وعليها أن تدرك ضعف الرهان على الشارع العربي المعجب بأحلام الطموح النووي، وبالاستعراضات العسكرية، والأسلحة التي طالما جُرّبت بالجسد العربي قبل غيره. وقريبا، سيتضح لإيران أنه لا يمكنها الاستمرار إلى ما لانهاية في ركوب الأحصنة العربية المتعبة للوصول إلى أهدافها، من دون الوصول إلى توازنات جديدة؛ فالشعوب يمكنها استهلاك الكلام والشعارات إلى يوم الدين، لكن لا يمكن لها أن تبقى إلى الأبد تراهن على مستقبلها بالاتكاء على هذه اللغة.