الصين: ثمة قصة هناك

بات الاقتصاد الصيني ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الاقتصاد الأميركي. والهوة تتسع لصالحه بينه وبين باقي الاقتصادات الضخمة الأخرى، بفعل القوة التي حققها هذا الاقتصاد الآسيوي الذي نما لسنوات طويلة، حد منافسته اليوم على القمة عالميا.اضافة اعلان
الصين اليوم تلعب دورا اقتصاديا عالمياً أكثر حضورا، بعدما عقدت شراكات مع دول أوروبية وشركات أميركية من ناحية، ووفرت من ناحية أخرى خبرات للبدء بشراكات في شرق آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط.
حالياً، لم تعد الصناعة الصينية مقتصرة، كما في الماضي، على المنتج الرخيص قليل الجودة، بل أضحت في عداد الصناعات المنافسة عالميا؛ على صعيد السعر كما الجودة، وفي أكثر من مجال، لاسيما قطاع الطاقة بمختلف أنواعها، وصناعة النقل، السككي منه خصوصا.
الاتفاقيات التي توقعها الصين كبيرة، نظرا لحجم اقتصادها الضخم. فعلى سبيل المثال، أبرم العملاق الآسيوي شراكة بقيمة 46 مليار دولار مع باكستان، وأخرى بنحو 22 مليار دولار مع الهند. ما يعني أن بكين تخطط لغزو العالم عبر توسيع نشاطها الاقتصادي. وربما يصب في الاتجاه ذاته قرارها بتخفيض عملتها "اليوان" خلال الفترة القصيرة الماضية، بما يزيد تنافسية صادراتها.
ومن ثم، فأن يذهب جلالة الملك عبدالله الثاني إلى الصين، مع إعطاء كل هذا الزخم للزيارة، إنما يجسدان رسالة تؤكد اهتمام الأردن ببناء شراكة أكبر، وتوثيق العلاقات الثنائية بشكل أعمق. فالرسالة تقول: إن ثمة قصة هناك في الصين، علينا التقاطها واستثمارها لما فيه مصلحة البلدين.
الدليل على الآفاق المفتوحة لهذه العلاقة هو حجم الاتفاقيات التي وقعها الأردن والصين يوم الخميس الماضي. إذ وقع البلدان خلال الزيارة الملكية اتفاقيات بقيمة 7 مليارات دولار، شملت مشاريع تتعلق بالطاقة، والاستثمار في مشاريع الزيت الصخري والطاقة المتجددة، وأيضا إنشاء السكك الحديدية.
الأهداف مشتركة. فكما يطمح الأردن إلى علاقة استثنائية مميزة مع الصينيين، تتطلع الصين بدورها للأردن كمركز للإقليم الذي يمثل جزءا أساسياً في مخطط بكين إعادة إحياء طريق الحرير، ضمن هدف إعادة بناء علاقتها مع المنطقة انطلاقا من العلاقة التاريخية التي كانت تربطها بالإمبراطورية الصينية؛ أي ربط الصين مجددا بالعالم العربي الذي يتوسط بموقعه قارات آسيا وأوروبا وأفريقيا.
بصراحة، نتائج الزيارة الملكية مهمة. وهنا يأتي الدور على الحكومات والقطاع الخاص للبناء على القاعدة القوية التي يضعها لهما جلالة الملك، ونسج وضع مختلف للعلاقة مع الصين. وذلك ممكن طالما الفرص والنوايا لذلك موجودة؛ لإقامة علاقات شراكة استراتيجية راسخة بين البلدين، وتوسيع آفاق التعاون بينهما، مع إعطاء الأولوية للمجالات التالية: استمرار التواصل والتشاور الدائمين بين البلدين. كما أن تعزيز التعاون بين البلدين ممكن، وفي مجالات متعددة تسهم في زيادة الطاقة الإنتاجية والاستثمار ومشاريع البنية التحتية، بما في ذلك السكك الحديدية والطرق والاتصالات والكهرباء وأنابيب النفط والغاز الطبيعي، وتحلية المياه ومعالجة النفايات والصخر الزيتي واستخدام الطاقة النووية والطاقة المتجددة. وكذلك الاستفادة من التجربة الصينية في تعزيز وتكريس مفهوم التعليم المهني، لتقوية القاعدة الإنتاجية لدى الأردني أيضا، من خلال المضي في إقامة الجامعة الأردنية-الصينية التقنية المؤمل أن تمضي الحكومة في تنفيذها، بتجاوز المعيقات التي تعترضها الآن.
يفيد الأردن، كبلد صغير إنما طموح بثقة، تنويع خياراته وتوسيعها، وتوسيع دائرة عمله، بحيث يخرج من الخيارات التقليدية، ليذهب إلى فتح فرص جديدة، والتأسيس لمجموعة جديدة من الشراكات التي ظلت محدودة حتى الآن.