الضريبة وفخ الصندوق الدولي

الحديث الصريح على لسان الفريق الاقتصادي للحكومة حول تراجع الإيرادات الضريبية للنصف الأول للعام 2019، وأن ضريبة المبيعات لم تحقق أهدافها، جاء صادما، ولكنه لم يكن مفاجئا للمتخصصين والمتابعين. هذه النتائج تحديدا هي ما حذر منه الخبراء والدراسات التي تمت من أطراف عدة، وقُدمت للحكومة والرأي العام خلال الفترة التي سبقت إقرار قانون ضريبة الدخل الجديد، وبعد فرض ضريبة المبيعات على عدد كبير من السلع. القرار بشمول أكثر من 150 سلعة جديدة بضريبة المبيعات، يخالف قاعدة اقتصادية معروفة للمتخصصين في الاقتصاد، مفادها أن ضرائب المبيعات عادة ما تؤدي إلى حدوث ركود وانكماش اقتصادي، وأحيانا تؤدي إلى زيادة التضخم. وعليه، فإنها لا تؤدي إلى تحقيق الأهداف المرجوة منها. لذلك، تلجأ العديد من الدول لتخفيض ضريبة المبيعات لتنشيط الاقتصاد في حالات محددة. إضافة لذلك، فقد نبهت الدراسات، ومنها دراسة مركز الدراسات الاستراتيجية، وبالحقائق والأرقام، أن العبء الضريبي بالأردن، والذي يأخذ بالاعتبار أنواع الضرائب كافة، وقبل إقرار قانون ضريبة الدخل، قد وصل إلى حده الأعلى، أو الطاقة القصوى التي يتحملها الاقتصاد الأردني، وأن أي زيادة ضريبية من خلال قانون ضريبة الدخل دون تخفيض ضريبة المبيعات قد تؤدي إلى حدوث ما يسمى بـ"الاجهاد الضريبي"، وهذه الحالة لها آثار سلبية معروفة في الاقتصاد، وستساهم بالركود الاقتصادي. لذا، فقد أوصت الدراسة، وغيرها من الدراسات والخبراء، بضرورة تخفيض ضريبة المبيعات بالوقت الذي يقر به قانون الضريبة الجديد، وذلك لعدم الوصول لحالة "الاجهاد الضريبي". وعليه، انخفاض الإيرادات الضريبية. من الأهمية أيضا الإشارة إلى أن كتاب التكليف السامي للدكتور عمر الرزاز قد تضمن بندا صريحاً يطلب من الحكومة إجراء مراجعة شاملة للمنظومة الضريبية قبل إقرار قانون ضريبة الدخل. إذا، المشكلة لا تكمن بعدم دراية الحكومة بهذه المعادلة؛ لأنه تم التأكيد عليها بالحوارات كافة التي أجريت بهذا الخصوص، وإنما يبدو أن الحكومة كانت تتعرض لضغوطات من قبل صندوق النقد الدولي، والذي كانت موافقته ومباركته للقانون الجديد شرطا أساسيا لإقراره؛ لأنه بذلك يشكل إشارة للدول المقرضة والمانحة بالمضي قُدما بالمفاوضات لقروض جديدة، وللدول المانحة بالإفراج عن المساعدات المالية. إذا، جدولة الديون، وإعطاء ديون جديدة للأردن مرتبطان بإقرار قانون ضريبة جديد يوافق عليه الصندوق. الحكومة إذا، كانت واقعة بين سندان النقد الدولي ومطرقة الضغط الشعبي وعجز الميزانية. وهذا ما حدث فعلا، إذ تمت إعادة جدولة الديون، والحصول على قرض جديد لتسديد بعض الديون المستحقة، والحصول على المنح والمساعدات من الدول الصديقة. إن تراجع الواردات الضريبية، واستمرار الركود الاقتصادي سوف يؤدي إلى تفاقم العجز بالميزانية وزيادته. هذا الوضع سوف يعيدنا للمربع الأول، وإلى فتح صندوق النقد الدولي للتفاوض من جديد على قروض جديدة، أو السعي للحصول على المساعدات المالية من الدول الشقيقة والصديقة، وهو الاحتمال الأبعد، وتبقى الاستدانة هي الأرجح، وذلك لتغطية العجز في الميزانية، أو الى تخفيض الإنفاق الرأسمالي، وطلبها حلولا ستكون آثارها سلبية على الاقتصاد. هذه هي الأزمة الاقتصادية الحقيقية التي يعاني منها الاقتصاد الأردني. إذا ما نظرنا للتجارب العالمية مع الصندوق، ومنها التجربة الأردنية، فإننا لن نجد حالة ناجحة نقتدي بها، فأغلب الدول النامية التي التزمت بتنفيذ برامج الصندوق لم تستطع أن تحدث تنمية ونموا اقتصاديا يعتد به. أردنيا، لقد قامت الحكومات المتعاقبة بتطبيق برامج صندوق النقد الدولي الإصلاحية، منذ بداية التسعينيات وحتى الآن، دون أن يكون لها أثر إيجابي على النمو الاقتصادي، أو التخفيف من البطالة أو الفقر، وكلها أهداف معلنة لهذه البرامج. إن الخروج من هذه الأزمة ودوامتها، يتطلب خطة استثنائية موازية لبرامج الصندوق، تبدأ بحوار وطني تتمخض عنه خطة اقتصادية تنموية قصيرة الأجل تقودها الحكومة والقطاع الخاص والبنوك، تهدف إلى الاستثمار في قطاعات إنتاجية محددة لتحريك عملية الاقتصاد من جديد، وتولد العمالة للأردنيين، تعتمد على الرأسمال الأردني الداخلي والمهاجر ضمن خطة محكمة، تشارك بها الجهات المعنية كافة، ودون ذلك، ستستمر الأزمة الاقتصادية بالتفاقم.اضافة اعلان