منوعات

الطفل يقضي 900 ساعة في المدرسة وما يزيد عن 1000 ساعة في مشاهدة البرامج التلفزيونية

ضمن دراسة أجرتها الاكاديمية الاميركية لطب الاطفال حول تأثير التلفاز على سلوك الاطفال


 


    الغد – اصبح التلفاز جزءاً لا يتجزأ من ثقافتنا المعاصرة, فهو مصدر للتسلية والثقافة ووسيلة للتعليم ومعرفة الاحداث الجارية واخبار العالم والطقس والرياضة والفن والموسيقى. ومما لا شك فيه انه قد غدا وسيلة الاتصال الأكثر فاعلية, الامر الذي يؤهله للعب دور ايجابي كبير في حياة اطفالنا. وبالطبع لنا ان نتصور اتساع الافاق التي يمكن ان يفتحها التلفاز امام اولادنا, وكم هو شاسع عالم المعرفة والترفيه الذي يمكن ان يقودهم اليه.


     ومن الملفت ان عالمنا العربي شهد في الاونة الاخيرة تكاثراً للمحطات الفضائية والقنوات الرقمية المتخصصة, مما يعني وجود فيض من المحتوى التلفزيوني، إذ إن منه القيم ومنه ما لا يتناسب مع حياتنا العربية. وهذا ما أثار في السنوات القليلة الماضية تساؤلات ومخاوف حول التأثير الفعلي للتلفاز على صحة الطفل الجسدية والنفسية وعلى نموه وتطوره.


     وبالتأكيد، ندرك جميعاً ان الطفل يلج عالم التلفاز قبل دخوله المدرسة. وقد خلصت دراسة حديثة اجرتها “الاكاديمية الاميركية لطب الاطفال” الى ان الطفل يقضي سنوياً 900 ساعة في المدرسة وحوالي 1023 ساعة امام التلفاز, مما يعني ان معظم الاطفال يقضون وقتاً اطول امام التلفزيون يزيد عما يقضونه في فصولهم الدراسية, وفي الحقيقة ان مشاهدة التلفزيون تعد اكثر النشاطات التي تستهلك وقت الطفل.. باستثناء النوم.


    ولا يخفى علينا ان التلفاز قد يقف عائقاً امام الاستكشاف والتعلم والتفاعل مع الاهل والاخرين – وهي امور اساسية لا غنى عنها لتطوير المهارات التي يحتاجها الاطفال الصغار لينموا فكرياً وجسدياً واجتماعياً. وكشفت دراسة معمقة, اجريت في مستشفى الاطفال والمركز الطبي الاقليمي في سياتل بالولايات المتحدة الاميركية ان التلفاز قد يسبب للدماغ في طور نموه مستويات غير طبيعية من التحفيز مما يعرض الطفل الى اضطراب في القدرة على التركيز “وهو نمط دائم من التشتت الذهني وفرط النشاط الاندفاعي او كليهما”.


     ولطالما ربط علماء الصحة بين الافراط في مشاهدة التلفاز من جهة, والخمول والعادات الغذائية غير الصحية التي تؤدي الى البدانة عند الاطفال من الجهة الثانية. فقد اصبح واضحاً اثر الدعايات التجارية الجذابة والملاحة الذي يقوم التلفزيون ببثها يومياً على مدار الساعة على سلوك الطفل الغذائي, فتجعله يتبنى عادات غذائية سيئة كالدعايات الخاصة ببعض السكاكر والتي تجعل الطفل يلح في طلبها ويستمر في تناولها خلال بث البرامج الامر الذي يؤدي الى اضطراب النظام الغذائي للطفل وبالتالي اصابته بالسمنة. وكثيراً ما تعمد الامهات الى شراء تلك المأكولات بحجة ان الاطفال لا يأكلون الكمية الكافية من الاطعمة الاخرى المفيدة، مما يسبب اضراراً صحية مختلفة نتيجة تناول هذه الاطعمة ذات القيمة الغذائية المحدودة.


     وأظهرت دراسة اخرى حول العلاقة بين عادات مشاهدة التلفاز والارق لدى اطفال المدارس, ان مشاهدة التلفاز ساعات طوال خلال النهار او ما قبل النوم تسبب في العادة مقاومة النعاس والارق والتوجس من النوم, ويتبع ذلك قصر في فترة النوم.


ومن الاثار السيئة الاخرى للتلفزيون, جعل حياة الاطفال جامدة محدودة النشاط قليلة الحركة, اذ انه من المعلوم ان الحركة ضرورية جداً لصحة الاطفال ونموهم. هذا الى جانب كون معظم برامج التلفزيون والتي تبث في الوقت الراهن برامج يهمين عليها العنف والعداء والاباحية، فتكون اسوأ مثل للاقتداء بها وتقليدها.


      وتشير احصائيات حديثة صادرة عن “الاكاديمية الاميركية لطب الاطفال” الى ان الطفل الذي يشاهد التلفاز بمعدل 3 ساعات يومياً سيكون قد شاهد قبل بلوغه 16 عاماً ما لا يقل عن 800 جريمة قتل و 100 مشهد عنف. لذا يجب اختيار البرامج الهادفة والملائمة لهم وتشجيعهم على مشاهدتها، مع الاقتصار في المشاهدة والحزم وعدم التساهل في ذلك الامر وذلك منذ الصغر عندما يبدأ الاطفال بتكوين عاداتهم واكتسابها، اي في سن قبل المدرسة.


       ويحث خبراء الاطفال حول العالم الاهل على تنظيم ومراقبة عادات مشاهدة التلفاز لدى اطفالهم ومتابعة المحتوى الذي يشاهدونه. لا بل ويذهب هؤلاء الخبراء الى تشجيع الاهل على مشاهدة التلفاز مع اطفالهم قدر المستطاع وشرح الاشياء لهم. وهذا من شأنه ان يساعد الاطفال على ردم الهوة بين الواقع والخيال.


       وترى نجاة ابراهيم اختصاصية علم النفس الاطفال في الجامعة اللبنانية ان مشاهدة التلفاز بدأت تشغل الطفل العربي وتحتل مكان نشاطات اخرى يمكن على الاباء تشجيع اطفالهم على ممارستها داخل البيت وخارجه: بإقامة رحلات, استخدام الالعاب، ممارسة الرياضة, تنمية الهوايات, القراءة والاعمال الروتينية, كما يمكن تحديد امسيات لممارسة انشطة خاصة بالاسرة, وهذا لا يؤثر على تعلم الاطفال وحسب, بل وعلى حالتهم الصحية والمعنوية.


      وأوضحت ابراهيم ان معدلات الايض تميل الى الانخفاض اثناء مشاهدة التلفاز حتى اكثر من المعدلات المنخفضة في اوقات الراحة. وهذا يعني ان الطفل يحرق سعرات حرارية اقل وهو يشاهد التلفاز مما يحرقه مسترخياً دون ان يفعل شيئاً.


    وعلى الرغم من الترابط الاجتماعي والقيم الدينية الراسخة في العالم العربي, فإن مراقبة وضبط تأثير التلفاز على الاطفال يزداد صعوبة حتى في هذه المنطقة. وطبقاً لتقرير صادر عن صندوق رعاية الطفولة التابع لهيئة الامم المتحدة “يونيسيف” في عام 2004 فإن العدد الاجمالي للاطفال في العالم العربي يصل الى 105 ملايين طفل اي ما يمثل 38 في المئة من اجمالي السكان كما يتمتع معظم هؤلاء الاطفال بفرصة مشاهدة التلفاز بنسبة اكبر بكثير من فرصتهم في الحصول على تعليم جيد. ويشير التقرير ايضاً الى ان 80 ميلون طفل هم دون سن العاشرة, وهذه ارقام تنذر بالخطر وتدعو الى وضع ما تقدمه التفلزيونات العربية هذه الايام تحت المجهر.


    وعلى مدى السنين العشر الماضية, ظهر مصطلح جديد في صناعة التلفزة الغربية هو “التربية الترفيهية” وسرعان ما شق هذا المصطلح طريقه الى اكثر القواميس الانجليزية حصافة. ويمكن تعريف “التربية الترفيهية” بأنها الدمج الناجح للتربية في بيئة التلفاز الترفيهية. وهذا ليس انتقاصاً من قيمة التعليم كما نعرفه في الواقع وانما نموذجا تفاعليا جديد للتعليم على شكل بث تلفزيوني يوفر اساليب فردية ممتعة متطورة ومبتكرة تكمل طرق التعليم التقليدية.


    ويؤكد انصار “التربية الترفيهية” على اهمية تقديم محتوى تلفزيوني ايجابي قادر على اثراء الحياة وبرامج تخاطب العقل وتستمر الافكار لدى الاطفال وتتيح لهم فرصة لتبادل افكارهم ووجهات نظرهم مع من يكبرونهم سناً.


    وتواظب شركات الانتاج التلفزيوني في الولايات المتحدة واوروبا على اجراء دراسات مستقلة للوقوف على عادات مشاهدة التلفاز لدى الاطفال ومعرفة تأثير التلفزيون والافلام على سلامتهم الصحية والنفسية وقد ساهمت نتائج هذه الابحاث في ظهور توجهات ملحوظة نحو انتاج برامج تلفزيونية وافلام تروج رسائل اجتماعية ايجابية من خلال تعريف الاطفال بأهمية قيم النزاهة, الصدق, الثقة, الوفاء, العدل ،الصداقة.


    وفي هذه الاثناء تعاني صناعة التلفزة العربية من عدم النضج مقارنة مع نظيراتها في الغرب حين يتعلق الامر بالبرامج الجيدة التي تركز على “التربية الترفيهية” للاطفال. فغالبية قنوات الاطفال التلفزيونية العربية تقوم على تقليد الصيغ والاشكال التلفزيونية الغربية الموجودة او مجرد نسخ الافلام التي تنتجها “هوليوود” و”ديزني” من امثال “الاسد الملك” و “بياض الثلج” وغيرها. ويلفت العديد من خبراء الطفل العرب الى ان بعض هذه البرامج والافلام يروج لأنماط سلوكية لا تنسجم مع قيم المجتمع العربي.


    ومن هنا, نجد انفسنا بحاجة ماسة وحقيقية الى قناة تلفزيونية عربية “تربوية ترفيهية” تتضمن منهاجاً مبتكراً يضعه اختصاصيو تربية وخبراء في تنمية الطفل ومنتجون محليون لتشجيع الاطفال العرب على تنمية ثقة ايجابية بالنفس, واحترام التقاليد والقيم, وتقدير الناس من حولهم واكتساب حب المعرفة والعلم مدى الحياة.


     فهل ستعطي اطفالك خلال عطلة نهاية الاسبوع المقبلة الفرصة للتحكم بجهاز التلفاز ومشاهدة البرامج دون مراقبة? هل ستعيد النظر بفكرة تسليمهم جهاز التحكم بالتلفاز حين ينهضون من اسرتهم ويسيرون مباشرة نحوك نصف نيام للحصول عليه? حتى اذا كان جهاز التحكم بالتلفاز في ايدي اطفالك الان, فالقرار بيدك لتحميهم مما يشاهدونه اليوم عبر شاشات التلفاز.

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock