العجارمة يغزل قصصا ورسائل مصورة باللهجة الأردنية العتيقة (فيديو)

تغريد السعايدة

عمان- طموح وشغف وموهبة ممزوجة بروح الفكاهة والتمسك بالجذور، هي ما دفعت بالشاب الأردني بلال العجارمة لأن يكون ناشطاً بطريقة خاصة به، يخاطب فيها اللآخرين بأسلوب شيق يعيد إلى الأذهان الصورة الحقيقية التراثية للمجتمع الأردني، لتحظى مقاطعه عبر مواقع التواصل بملايين المشاهدات التي جعلت له مكاناً في قلوب متابعيه، وانتظار كل ما هو جديد.
يقول "أبو عجرم"، كما يطلق عليه متابعوه، إنه تحدى الكثير من الظروف والأصوات المحبطة في محاولته للوصول إلى هذه المرحلة، تلك الأصوات التي كانت تعتقد أنه بتقديمه رسائل ونصائح اجتماعية عامة باللهجة البدوية الخالصة، قد تكون نوعا من التندر على اللهجة البدوية الأردنية، إلا أنه لمس أن مئات الآلاف من متابعيه، يحرصون على تتبع مقاطعه بسبب اللهجة والشخصية التي يتقمصها خلال الأداء، وهو يرى أنها تشبهه بنسبة كبيرة.
ويؤكد العجارمة وجود الكثير من المصطلحات البدوية القديمة للهجة الأردنية يقدمها في مقاطع الفيديو، والتي يعتبرها جزءا من الشخصية التي يتعمد تقمصها، وهي في الوقت ذاته وسيلة جذب للمتابعين، عدا عن كونها طريقة مؤثرة في التدوين للهجة الأردنية الأصيلة التي باتت تتلاشى لدى الكثير من المناطق، لأسباب عدة اجتماعية وثقافية تأثرت بها المملكة على مدار عقود.
يقول "أتحدث عن لهجتي وبيئتي التي خرجت منها في إحدى قرى مادبا، وأحمل لها كل الحب، وكان من الأجدى أن أتحدث بلهجة المكان.. لهجة والديّ وأجدادي، وألا أبتعد عن تلك الأصول"، مبينا أن تلك اللهجة تحمل مخزونا فكريا وثقافيا وإبداعيا كبيرا، وفيها قاموس مميز يحفظ تاريخ حقبة زمنية مهمة من الأحاديث الأردنية التي امتدت بكلماتها أعواما طويلة.
العجارمة الذي أنهى دراسة الإعلام، تخصص إذاعة وتلفزيون من جامعة الشرق الأوسط، كان الأول على دفعته، يشبهه كثيرون من متابعيه من خلال تعليقاتهم بأنه "حارس اللهجة"، إلا أنه يرى نفسه يُبحر في بحر كبير من المصطلحات الأردنية، التي تجد فيه الكلمة مرادفات عدة لها، لتثبت اللهجات المحلية، مرة أخرى، أنها الأقوى والأغنى ويجب التمسك بها وحمايتها من الاندثار، في الوقت الذي يضع من ضمن مخططاته المستقبلية أن يدون الكثير منها في مؤلف خاص، على المدى البعيد.
وخلال حواره الخاص مع "الغد"، أظهر مدى تأثره بالصحافة والجسد الإعلامي في الأردن، كونه كان من المتابعين لإصدارات "الغد" منذ أول أعدادها؛ حيث كان يشتري الصحيفة بشكل يومي وهو على مقاعد المدرسة، ما جعله يضع نصب عينيه أن يكون لديه حضور على الساحة الإعلامية، وهو ما تحقق فعلاً من خلال تواجده في العديد من البرامج، واستقطاب المنصات التمثيلية له، وهو الآن ضمن فريق "نوبانيز"، ويقدم العديد من المقاطع التي تعالج قضايا وهموما وطنية، بطريقة جاذبة ومحببة نالت استحسان مئات الآلاف من الأردنيين والعرب في الوقت ذاته.
البدايات كانت من خلال كتابة نصوص باللهجة المحكية "العامية"، من خلال صفحته "كتابات من الواقع" على "فيسبوك"، وبعد أن أصبحت تلك النصوص غير محفوظة باسمه ومنشورة عبر مواقع التواصل الاجتماعي بدون إسنادها له، فكر في طريقة تحفظ حقوق النشر له، ما دفعه للتوجه إلى "الفيديو" الذي كان نقطة تحول في حياة العجارمة، جعلت منه شخصية كوميدية مشهورة، كسرت الكثير من الحواجز التي كانت تقف في طريقه في بدايات الأعمال المصورة لديه.
الإطراء والتحفيز وعبارات الثناء والتحفيز التي انهالت على العجارمة منذ أول فيديو قام ببثه، كلها أمور زادت من حماسه وإصراره على استكمال المشوار الإبداعي، ويستلهم من معجبيه ومحبيه العديد من الأفكار التي يقوم بترجمتها عبر مقاطع الفيديو وتحظى بتعليقات إيجابية وأحيانا بمناكفات وتشجيع ومحبة، عكست من خلالها مدى حاجة الناس إلى رسائل يتم بثها بطريقة بسيطة ومعبرة بعيداً عن التنظير المجتمعي، يغلفها طابع كوميدي يوصل الرسالة بأسرع ما يكون.
"تدوين التراث الأردني ينعكس من خلال الأحاديث واللهجات التي تعد جزءا من الموروث المجتمعي"، يقول العجارمة، كما أنه يسعى من خلال ما يقوم به من أعمال مصورة لأن يغير الصورة النمطية عن "المواطن الأردني" الذي يصفه البعض بأنه "كِشر"، بيد أن العكس تماماً هو الصحيح فـ"نحن في ظل ظروف اجتماعية واقتصادية صعبة، إلا أننا نلجأ إلى روح النكتة والضحك وبث الإيجابية في الأجواء بالرغم من كل ما يحيط بالمواطن من ضغوط"، على حد تعبيره.

;feature=youtu.be
اضافة اعلان


ويلفت العجارمة الى أنه تعرض في بدايات عمله الكوميدي لـ"صدمات وإحباطات وكلمات سلبية من بعض المحيطين"، كانت سببا بأن ينظر إلى المستقبل بعين التفاؤل والقوة التي جعلت منه مؤثراً ومتحدثاً، وفخوراً بلهجته، التي يطمح لها الكثير من الشباب، لكنهم قد "يخجلون" من تلك اللهجات القديمة التي يتحدث بها آباؤهم وأجدادهم، رغم أهمية أن يكونوا فخورين بها يختارون منها الأفضل ولديهم القوة للتعبير عن ثقافتهم ومستواهم الفكري، فلطالما كانت اللهجة هي سفير الدول في العالم.
وما يُسعد العجارمة، كما يقول، أنه تلقى رسائل من الكثير من أبناء المجتمع الذين تأثروا بما يقدمه من رسائل موجهة إلى الناس، كما في ردود الفعل على حلقته حول "إطلاق العيارات النارية" والتي تمثلت في وجود شباب وقعوا على عهود ومواثيق للتوقف عن إطلاق العيارات النارية في المناسبات، وربط ذلك بما تحدث به عبر فيديو خاص بذلك.
وبسبب قدرة العجارمة على الحفظ والتقاط الكلمات من المجتمعات المحلية التي زار أغلبها بهدف البحث عن مصطلحات وعبارات غائبة عن الأذهان، تكون لديه "مخزون من الأفكار"، وازدادت براعته في طريقة العرض والارتجال باللهجة البدوية التي هي الأقرب إلى العربية الفصحى، لما فيها من غِنى ثقافي متعدد.
"أطمح إلى الكثير"، يقول العجارمة؛ إذ لديه الكثير من الأفكار التي تصب في سبيل حفظ اللهجة الأردنية المحكية، ومن خلال مشاريعه المقبلة، سيكون هناك حفظ لتلك الكلمات، عدا عن كونه قام بتمثيل وتأليف وإخراج فيلم قصير بعنوان "شُبهة" قدمه باللهجة المحكية بشكل كامل.
هذا المشروع الفني المتواضع "شبهة"، يحفز العجارمة كذلك على تأليف نص للدراما الأردنية "حقيقي وواقعي" في المستقبل، وهو هدف وطموح وحلم يتمنى أن يحققه، بهدف تعميم ما يطمح له من إثراء للدراما الأردنية المناسبة القريبة من الأردنيين، خاصة أنه يحرص على أن يطرح فكرته بعد أن تكتمل في جميع جوانبها.
في عمله الفني الكوميدي "ضحك من القلب وذكريات لكبار السن وأبنائهم وقصص وحكايات لا تنتهي"؛ إذ يتخطى العجارمة العثرات لكي يبقى كما هو، يحتفظ بكنوز المحبة والإطراء من محبيه عشاق اللهجة المحلية وحديث الكبار المطرز بعبارات قد تكون على شفا الاندثار.