العدل بين القانون والدين والأفكار والاتجاهات

سُجلت في الأردن العام 2014 عشرة آلاف (تقريبا) حالة زواج قاصرين دون الثامنة عشرة، أي حوالي 13 % من مجموع الزيجات التي جرت ذلك العام. وبذلك، فإننا في مواجهة حالة مرعبة؛ ليست متعلقة فقط بالاتجار بالبشر وبمستقبل الأسر والأطفال، والسلامة الصحية والاجتماعية والنفسية، واحتمالات الطلاق والتفكك الأسري، وتراجع مستويات الذكاء والمشاركة الاجتماعية للأجيال المقبلة، بل ما لا يقل عن ذلك خطورة ورعبا أن ذلك يجري في ظل قانون يمنع زواج من هم دون سن الثامنة عشرة! ماذا يعني أن تسجل عشرة آلاف زيجة للأطفال؟ ومن هم الذين خالفوا القانون؟اضافة اعلان
ينظم القانون، منذ مراحل مبكرة في تاريخ الدولة الحديثة، إنتاج وتسويق الخمور. ولا يبدو أن ثمة جهودا نيابية لتغيير القانون. وأقصى ما طالب به نواب الإخوان المسلمين هو منع تقديم الخمور على رحلات "الملكية الأردنية". وبرغم أن القانون سار منذ ثمانين عاما، وتُقدم الخمر بموجبه الفنادق ومطاعم كثيرة ومئات البارات، ويُنتج الخمور في الأردن، منذ فترة طويلة، أكثر من عشرين مصنعا، فإن حملة واسعة جرت ضد مدير مؤسسة "المواصفات والمقاييس" في وزارة الصناعة والتجارة، د. حيدر الزبن، لأنه دعا إلى تطوير وتنمية تصدير النبيذ الأردني. والأغرب من ذلك أن يقول سياسيون محترفون إن ما فعله د. الزبن مخالف للقانون والدستور.
ويتكرر الجدل السياسي والإعلامي حول العلاقة مع إسرائيل، وتجري محاولات للتأثير على الحكومة لمنعها من تطبيق المعاهدة الأردنية-الإسرائيلية، برغم أنها قانون وافقت عليه الأغلبية البرلمانية، فلا يؤخذ ذلك بالاعتبار في المعارضة والتأثير.
الخلل العميق والخطير في هذا السلوك السياسي والإعلامي، هو في اللبس بين الآراء والمعتقدات وبين تطبيق القانون؛ وفي الخلط بين الدعوة والتأثير وبين العمل المؤسسي والسياسي لمراجعة القانون وتطبيقه. والأعمق خطورة وخللا، غياب ثقافة القانون حتى لدى الفئات المكلفة بتطبيقه، أو لدى السياسيين والنشطاء الذين يعملون في ظل القانون!
يحق لكل مواطن أن يشكل رأيا سياسيا أو دينيا او اجتماعيا حول القضايا والأحداث والقوانين المطبقة. لكن ذلك لا يبيح لأحد انتهاك القانون أو عدم احترامه. ففي تكريس أساليب وسياسات تطبيق الأفكار والمعتقدات بغض النظر عن القانون، تنشأ متوالية من الشرور وانعدام الثقة؛ كيف نطالب بتطبيق القانون في حالات، ونرفض ذلك في حالات أخرى؟ ففي كل حالة، بلا استثناء، ثمة رأي أو معتقد شخصي أو اجتماعي بخطأ القانون المنظم لها. ولا يمنع ذلك بالطبع إبداء الرأي والدعوة والتأثير، والعمل لأجل تغيير القوانين ومراجعتها، لكن لا يجوز عدم الالتزام بها أو الدعوة إلى تحديها ورفضها، فالعقد الاجتماعي المؤسس لإصدار التشريعات وتطبيقها أولى أن يظل سليما، ويعمل بآلياته المتبعة وكما هي، وأن يُقبل ذلك في جميع الحالات. لكن يظل الرهان على العقد الاجتماعي نفسه، لأجل الوصول إلى الأهداف والأفكار التي يدعو إليها كل فرد أو حزب أو جماعة.
ما يحكم هذا الجدل هو أننا نبحث عن العدل. إلا أن كل مواطن يرى العدل على نحو يختلف عن الآخر. فالعدل هدف مثالي، نحاول الاقتراب منه ولا نصله، لأن العدل هو الله. وتوافقت الأمم والحضارات على أن الاقتراب من العدل يكون بالقانون، ويفترض أن القانون يعكس تفكير واتجاه الأغلبية، فنلتزم بما تقرره الأغلبية، ليس لأنه العدل ولكن لأننا لا نعرف العدل أو لا نتفق عليه، فيكون القانون مخرجا من جدالنا واختلافنا. وفي ذلك تكون الانتخابات لنحدد الأغلبية، ونكرر الانتخابات لنراجع أنفسنا.. وهكذا نبحث عن الصواب في الظلام والخوف!