العراق.. الأردن يدخل على خط سورية

سلامة الدرعاوي

بعد حرب الخليج الأولى 1990 كان العراق الشريك الاقتصادي الأول مع المملكة على موعد مع قرار أممي بفرض الحصار الاقتصادي عليه في ذلك الوقت، والذي قادته الولايات المتحدة وراقبت كُل معاملات العراق الاقتصادية والتي للأسف أصابت تداعياتها بالمملكة، من خلال فرض الرقابة على ميناء العقبة ومنع أي سلع تتوجه إلى بغداد، مما ألحق أكبر خسائر وضرر على القطاع الخاص وتحديدا القطاع الصناعي الذي كانت غالبية صادراته ومنتجاته مخصصة للسوق العراقية.اضافة اعلان
حالة الحصار وتداعياتها لم تدم طويلاً على الاقتصاد الوطني، فقد استطاع الراحل الملك الحسين بعد العام 1994 بالحصول على موافقات استثنائية من الإدارة الأميركية من الحصار المفروض على العراق، وخرج الأردن من رقابة شركة لويدز على ميناء العقبة وعادت أمور التبادلات الاقتصادية بين الأردن والعراق إلى سابق عهدها قبل الحرب، لا بل ارتفعت وتيرتها بالسنوات اللاحقة ووصل حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى ما يقارب ملياري دولار في بعض السنين، وسمي في ذلك الوقت ما عرف بالبروتوكول التجاري الأردني العراقي، الذي بموجبه يتم تصدير السلع للعراق مقابل حصول المملكة على نفط تفضلي كان له الأثر الإيجابي الكبير في الاستقرار المالي للخزينة في تلك الفترة وتلبية كافة احتياجات المملكة من النفط، واستمر هذا المشهد إلى حين حرب 2003، وألغت كُل أشكال التبادل الاقتصادي بين الأردن والعراق، وبدأت العلاقة تنمو من جديد بأساليب مختلفة تماما عن السابق.
اليوم يتكرر المشهد من جديد، لكن ليس مع العراق وإنما مع سورية التي فرضت الإدارة الأمريكية حصارا وعقوبات على كُل من يتعامل معها بموجب قانون سمي بقانون "قيصر"، وهذا الأمر ترك تداعيات سلبية على الاقتصاد الوطني الذي كان يُصدر لسوريا قبل الربيع العربي بأكثر من 200 مليون دولار في بعض الفترات من منتجات مصنعة وطنيا، مما كان له أيضاً الأثر الإيجابي على الصناعات الأردنية، ناهيك عن أشكال مختلفة للتبادل الاقتصادي بين الجانبين.
لكن كُل هذا توقف مع تفعيل قانون قيصر الذي حرم كُل الشركات ومنها الأردنية التعامل الاقتصادي مع سورية، وهو ما اعتبره الأردن عقابا جماعيا خاصة عليه وهو الذي التي يعتبر المضيف الأكبر للاجئين السوريين في العالم.
الملف الاقتصادي الذي حمله الملك في مباحثاته الأخير مع الإدارة الأميركية شمل موضوع قانون قيصر الذي ترك انعكاسات سلبية وخيمة على الاقتصاد الوطني عامة والقطاع الخاص تحديداً، فالأردن يدفع ثمنا اقتصاديا باهظا نتيجة مواقفه المتزنة والتزامه بالقوانين الدولية، وفوق كُل ذلك ملتزم التزاماً كاملًا تجاه قضايا اللاجئين والتي كلفته وحدها على اقتصاده خلال السنوات العشر الماضية اكثر من 13 مليار دولار، تركت آثارها على عجز الموازنة الذي تضاعف، ناهيك عن التداعيات الوخيمة من ضغط كبير على البنية التحتية والصحية والتعليمية ومزاحمة الأردنيين في فرص العمل وغيرها من التحديات والإشكاليات التي خلقها التواجد السوري على الأراضي الأردنية.
الملك كان واضحاً في خطابه مع الإدارة الأميركية، بضرورة استثناء الأردن من قانون قيصر، فلا يجوز ان يكون العقاب جماعياً، وهو ما لاقى آذاناً صاغية عند المسؤولين في الإدارة الأميركية التي بدأت تدرس الطلب الأردني.
فالأردن بشكل واضح يسعى للحصول على استثناءات خاصة وتحديد شكل جديد من العلاقات الاقتصادية والتبادلية بين الأردن وسورية، مما يعيد الذاكرة لسنوات خلت في مشهد سابق تكرر مع العراق بعد حرب الخليج الأولى.
قطاع الطاقة في الأردن من اهم القطاعات اني يمكن بهارات تحدث اختراق ايجابي في العلاقات الاقتصادية مع سورية في حال حصول المملكة على استثناءات من قانون قيصر، حيث مشاريع تصدير الكهرباء للحوار ومشاريع الربط .
القطاع الخاص سيكون أمام فرصة تاريخية في اختراق سوق استراتيجي له ومتعطش للتبادل الاقتصادي بسبب احتياجاته الكبيرة في الوقت الراهن، وهذا ما يفرض على القطاع الخاص الوطني إعادة ترتيب موضعه في هذا الأمر وتوظيف العملية السياسية التي فتح أبوابها الملك مع الأميركان لتكون الأردن بوابة اقتصادية ليس لسورية فقط وإنما للمنطقة اذا أحسن القطاع الخاص التصرف والتخطيط.