العراق عمق عربي

محمد الشواهين

تحت كل الظروف التي تبدو طافية على سطح المشهد العراقي، يبقى هذا البلد العزيز على قلوبنا، عمقا عربيا لا يُستهان به، بل ويُحسب له ألف حساب، ليس هذه الأيام التي اختلطت بها بعض الأوراق المهمة فحسب، بل منذ العام 1948، حينما قام الجيش العراقي بحماية شمال الضفة الغربية وصونها، من هجمات العصابات الصهيونية المدعومة بريطانيا، وغربيا على نطاق يفوق بكثير القدرات العربية مجتمعة؛ إذ كانت تطمع في اجتياحها وضمها للمناطق التي سيطرت عليها في ذلك العام، عام النكبة.اضافة اعلان
في الآونة الأخيرة، تعددت الزيارات المتبادلة بين مسؤولين أردنيين وعراقيين على مستويات رفيعة، كان آخرها اللقاء الذي تم بين وزيري خارجية البلدين الشقيقين.
منذ الخمسينيات وما قبلها من القرن الماضي، ظل البلدان يرتبطان بعلاقات وثيقة، وقامت وحدة هاشمية مرموقة، لو كُتب  لها الاستمرار، لتغير وجه المنطقة وخريطتها، لكن ثورة العسكر بقيادة
عبد الكريم قاسم، وزميله عبد السلام عارف، في العام 1958 أطاحت بالحكم الملكي في العراق، وفصمت عُرى الوحدة.
قربنا الجغرافي من العراق، مع وجود حدود مشتركة، فتح باب المصالح المتبادلة، ما انعكس إيجابيا على الأوضاع السياسية والاقتصادية واللوجستية؛ حيث أصبح ميناء العقبة الوحيد الذي يستقبل البضائع والسلع المستوردة للعراق، والشاحنات الأردنية تقوم بإيصالها، على الرغم من خطورة الطريق! لأسباب لا يجهلها عاقل.
لو عدنا بالذاكرة قليلا، أثناء الحرب الإيرانية العراقية في الثمانينيات، التي استمرت سنوات عدة، حصدت مئات الألوف من الأرواح، والملايين من المصابين والجرحى والأسرى، لم يقف الأردن موقف المتفرج، بل ساند العراق بقوة، ووقف الى جانبه بكل إمكانياته.
أثناء الحصار على العراق الذي فرضته أميركا وحلفاؤها الغربيون، حوصر الأردن بشكل غير مباشر، ودفع الأردن ثمنا باهظا، لقاء مواقفه العروبية مع الشعب العراقي الشقيق، عرفانا من الأردن للعراق.
بعد سقوط النظام العراقي السابق برئاسة صدام حسين، تعرض العراق لكثير من المحن والمصاعب، من المحتل الأميركي، والتدخل الإيراني في شؤونه الداخلية، الأمر الذي لم يرق للأردن والعرب جميعا أن يصبح العراق نهبا للأطماع الأجنبية، وطالب في كل المحافل الدولية، بضرورة الحفاظ على سيادة العراق، وسلامة أراضيه وثرواته الطبيعية، وكذلك إتاحة الفرصة للشعب العراقي تقرير مصيره، بكل حرية واقتدار.
معضلة العراق اليوم، بروز الطائفية والمذهبية في أسوأ صورها، ولم يسبق الاطلاع على هكذا مظاهر في المجتمع العراقي.
النقطة المهمة التي ينبغي لنا التوقف عندها قبل الختام، هي أن نرى العراق قويا عزيزا، آمنا مستقرا، عروبي الوجه والموقف، وألا يُسمح لكائن ما كان، التدخل في شؤونه الداخلية، كما يهمنا تكاتف الشعب العراقي وانصهاره في بوتقة واحدة، من أجل صون مصالح العراق العليا، بعيدا عن التقوقع المذهبي أو الطائفي، هذا من جهة، أما من الجهة الأخرى، فهو تنشيط التبادل التجاري والخدماتي، وفتح الحدود على مصراعيها، بيننا وبينهم كسابق عهدها الذهبي، من خلال المنافذ البرية والجوية، بما يخدم عاليا مصالح الشعبين الشقيقين.