العراق والعرب

متأخراً جدا سيصل امين عام الجامعة العربية عمرو موسى الى العراق حاملا ما سمّاه مشروعاً عربياً للمساعدة في انقاذ بغداد مما تعانيه من فوضى وانقسام وارهاب واحتلال.

اضافة اعلان

سيسجل التاريخ أن الجامعة العربية بادرت باتجاه العراق بعد حوالي عامين ونصف العام من بدء العراقيين لملمة أشلاء وطنهم الذي قطعته الحرب بعد ان انهكته الدكتاتورية.

وستكون زيارة عمرو موسى الى بغداد صفحة غيرَ ذات جدوى في كتاب تاريخ عراق ما بعد صدام حسين. ذلك أن الحقائق التي ثبتت على الارض اكبر من ان تغيرها بلاغة الأمين العام للجامعة العربية. فالانتخابات الانتقالية تمت قبل عشرة أشهر من إدراك الجامعة العربية مسؤوليتها نحو العراق، والتصويت على الدستور تم قبل أيام من موعد وصول مبعوثها. ونتاج هذه المحطات الرئيسة في العملية السياسية أكبر من ان تغيرها مبادرة كلامية من الجامعة العربية. أما مشاعر الخذلان التي تمكنت من شرائح واسعة من الشعب العراقي فتحتاج الى اكثر من زيارة لتجاوزها.

لكن هذا لا يلغي حاجة العراق إلى إسناد عمقه العربي وهو يتلمس طريق الخروج من المستنقع الذي أوصلته اليه السياسات الاميركية الفاشلة. وأول الإسناد يجب ان يكون جهداً مكثفاً لاستعادة الصدقية التي فقدها النظام العربي لدى العراقيين. وهذا يتطلب خطوات فعلية يلمسها العراقيون.

نجاح أي جهد عربي في العراق يتطلب قبول العراقيين له. وأول متطلبات ذلك هو اعلان صريح بأن العرب يقبلون ما يقبل العراقيون لأنفسهم، فالدور دور مساعدة لا وصاية، والتدخل آني يهدف الى مساعدة العراقيين بناء العراق الذي يريدون لا الذي يريده غيرهم.

اقتناع العراقيين بدور عربي محددة معالمه وواضحة يفتح الباب امام مقترحات عربية ترمي الى تقديم تسويات تقرب من وجهات نظر الفرقاء كافة. والنجاح يولد نجاحات، ويكتسب شرعية تسمح بالدفع بقوة باتجاه آراء قد لا تنسجم مع تلك التي تتبناها القوى السياسية المختلفة.

غير ان الواقع العراقي المر يتطلب من الجامعة العربية سلسلة خطوات مختلفة عن تلك التي اتخذتها تقليدياً وانحصرت في المبادرات اللفظية والمواقف السياسية. فالعراق في حاجة الى من يقف الى جانبه في مواجهة الإرهاب. والبدء في هذا الجهد يكون في موقف فكري واضح في ادانة كل من يقتل الأبرياء في العراق. لكن ذلك غير كاف, فعلى الدول العربية أن تساعد فعليا في دحر الإرهاب. وذلك ممكن, بدءاً بضبط حدود دول جوار يتسلل منها الارهابيون الى العراق, ومروراً بتمكين قوى الأمن العراقية تدريباً وتسليحاً ودعماً فنياً ولوجستياً ومخابراتيا.

في تلك الاثناء، يمكن للعرب أن يساعدوا العراقيين في مسيرة اعادة الاعمار. صحيح ان العراق يملك الثروة التي تغنيه حاجة الآخرين. لكن أوضاعه الحالية لا تسمح له الافادة من تلك الثروة، ما يولد حاجة آنية للدعم من الاشقاء.

المطلوب من الدول العربية خطة عمل محددة لمساعدة العراق سياسياً وامنياً وحياتياً. فالعراق، والعراقيون، سئموا سماع طيب الكلام في ظل غياب مخز للفعل. ولعله من المفيد التذكر ان العراق حُكم لعقود من قبل نظام كانت علاماته الفارقة القتل والكلام، ليجد نفسه بعد ذلك في مواجهة المزيد من الإنشاء الفارغ الذي رافق هدير الدبابات الاميركية. الفرصة متاحة للعرب للتحرك نحو العراقيين بشيء مختلف: فعل يمكن لمس نتائجه.