العرب.. ما العيب في الاسم..؟!

هناك اليوم الكثير من المراجعات والتحليلات التي تحاول تفكيك مفاهيم "العربي" و"العالم العربي"، ومعظمها تبحث عن أسباب لتقويض دلالاتها والتشكيك في منطقها. ويبدو أن هذه الأطروحات تريد أن تحيل أسس الأزمات التي تعاني منها المنطقة العربية في ساحل المتوسط والجزيرة العربية وشمال أفريقيا كلها إلى مجرد الاسم "عرب" الذي يصف سكانها. وفي الحقيقة، لا تكاد تخفى النوايا غير الطيبة على الأقل في وضع هوية منطقة كاملة موضع الشك واختلاق أزمة كبيرة لهذه الهوية.اضافة اعلان
يتساءل المرء: هل إذا أسقطنا كلمة "عربي" ومشتقاتها من المعاجم، وسمينا أهل المنطقة "يابانيين" مثلاً، هل سيصبحون مبدعين في علم الحاسوب وصناعة السيارات؟ وهل ثمة عيب أساسي في الأطر الجامعة التي تؤكد المشترك، لصالح تصنيفات عرقية وفئوية وقطرية وطائفية أضيق؟ وهل لنا في هذه المنطقة أي مصلحة عملية في الهبوط إلى هذه الأطر الأضيق وإبراز كل وأي اختلافات؟ ثم، ماذا نسمي أنفسنا، إذا كان الناس في كل مكان لهم صفة: ألمان، إنجليز، هنود، فرنسيون صينيون... وهكذا؟
في مقال نشره أخيراً موقع التنبؤات الاستراتيجية، "ستراتفور"، تستنطق الصحفية والباحثة الأميركية من أصل عراقي، أنيسة مهدي، مفهوم "العالم العربي"، وتتساءل عن ماهية "العالم العربي"، وعما إذا كان هذا المفهوم مناسباً اليوم، أم أنه "لم يعد يخدمنا في القرن الحادي والعشرين وما بعده"؟
في سياق تأملاتها، تطرح مهدي أسئلة تبدو غير ذات صلة. وتقتبس مثلاً تساؤل ديفيد لامب: "معظم العرب مسلمون، ولكن ماذا عن الستة ملايين من المسيحيين الأقباط المصريين"؟ وتقول هي في مكان آخر: "تشمل الشعوب الناطقة بالعربية مسيحيين، ومسلمين، ويهوداً، وأيزيديين، ومندائيين ودروزاً". لكن هذه التصنيفات الطائفية لا تتعارض بشكل أساسي مع تعريف "العربي" الذي اقتبسته مهدي عن لامب، باعتباره "الشخص الذي يتكلم العربية". وبهذا المعنى، فإن المسيحي القبطي واليهودي المغربي والأيزيدي العراقي والدرزي اللبناني، يمكن أن يكونوا عرباً بنفس المقدار، تماماً مثلما يبقى الهندي السيخي أو الهندوسي أو البوذي أو المسلم، هندياً. فلماذا العرب؟
وتقول مهدي أيضاً: "حتى اللغة العربية التي ربما يكتنزونها (العرب) كصلة مشتركة، تظل مقسمة بعمق باللهجات المختلطة بالفرنسية في الغرب وبالفارسية في الشرق. وكثيراً ما لجأ أبي العراقي وزملاؤه من ذوي الأصول المغاربية إلى الإنجليزية حتى يستطيعوا أن يفهموا بعضهم البعض". والسؤال: لماذا لم يلجأ والد مهدي وزملاؤه المغاربة إلى اللغة العربية الفصحى التي يعرفها كل عربي كلغة أُمّ بدلاً من الإنجليزية؟ وهل الفارق في اللهجات العربية يعني حتماً اختلاف المفردات والدلالات جذرياً، أم أنها مسألة فارق في طريقة نطق المفردة نفسها فقط؟ وهل يكفي هذا الاختلاف في النطق لاعتبار العرب ليسوا عرباً؟!
وتقول مهدي أيضاً: "ثقافياً، يعرض العرب اختلافات كبيرة في المطبخ واللباس، وعادات متميزة فيما يتعلق بالعلاقات بين الرجال والنساء، وتقدير متنوع لموسيقى "الهيب-هوب"، والموسيقى الأوروبية الغربية وأي عدد من الأنماط المحلية للغناء، والإيقاع، وعزف الآلات الوترية". حسناً، أي أمة ليس فيها مثل هذا التنوع الثقافي؟ ماذا عن مثل هذه التنويعات في الصين أو الهند أو حتى في ألمانيا؟ ولماذا لا تكون هذه السمات سبباً لاستنطاق الهوية في أي مكان آخر؟
في الحقيقة، ربما تمثل أنيسة مهدي اتجاهاً لدى الكثيرين من العرب لمراجعة هويتهم الآن، لكنهم –كما تبين الأمثلة أعلاه- يطرحون الأسئلة الخطأ، ولا يصلون إلى الإجابات المستحيلة. وفي الأصل، يجب أن تكون هوية المرء شيئاً مفروغاً منه تماماً حتى يتفرغ لشؤون أخرى. والهوية –في حالة العرب والآخرين- هي معطى وليست اختياراً. وقد يختار العربي الجنسية الأميركية، مثلاً، لكنه سيعرّف نفسه، وسيعرفه الآخرون، بأنه أميركي-عربي، سواء أراد ذلك أم لا. ولا يريد أحد أن يعاني تجربة سلخ جلده والخروج منه وهو حيّ.
لا يصعب استدعاء الاستخدامات الإيجابية الممكنة لمفاهيم "العربي" و"العالم العربي"، كأطر تجميعية تسهّل تأسيس تكوينات عمَلية: تحالفات اقتصادية، مناطق حرة، تحالفات دفاعية، "شنغن" عربي، وتعاون على أي مستوى. لكن من الصعب تعقب أي شيء غير العبث في محاولة استنطاق هذه المفاهيم. الاسم، ببساطة، ليس المشكلة. ولم تجلب الهويات الفئوية المقترحة سوى تبرير الصراع وتمزيق الذات عبثاً. فلماذا لا تؤخذ خصوصيات العرب، كما هي: تنويعات غنية لثقافة واحدة؟