العروبة بمناسبة "دستور سورية" الروسي

مثير للشفقة، وفق أخف الأوصاف، رد فعل أنصار بشار الأسد على مضامين "دستور سورية" الروسي، والتي نشرتها صحيفة تابعة لحزب الله. فهؤلاء "العروبيون جداً!"، هالهم تحديداً أن يصبح اسم سورية الرسمي، في الدستور الروسي، هو "الجمهورية السورية" بدلاً من "الجمهورية العربية السورية"؛ رغم أنهم هم ذاتهم من يدافعون عن سيطرة إيران على سورية؛ أرضاً وديموغرافيا، ويفخرون بذلك، كما كانوا وما يزالون يدافعون عن جرائم نظام الولي الفقيه نفسه في العراق أيضاً. وهم ذاتهم من احتفل ويحتفل بالتدخل العسكري المباشر لروسيا، والقائم بدوره على التنسيق الوثيق مع إسرائيل.اضافة اعلان
لكن بعيداً عن تلك المزايدات الرخيصة ممن يريدون أن يغطوا على تبريراتهم التي لا تنتهي لاستباحة الإنسان والسيادة والعروبة في سورية، فقط لأجل بقاء بشار الأسد بمسمى "رئيس جمهورية"، بحيث صار هو "الدولة" وهو "العروبة"! وبعيداً أيضاً عما إذا كان الدستور الروسي الحالي هو صيغة نهائية، تم التوافق عليها مع الولايات المتحدة ليتم فرضه على السوريين مطلع آب (أغسطس) المقبل؛ وأيضاً بقبول المضحك المبكي بأن الأسد أجرى تعديلات على "الدستور الروسي" (كما ذكرت لاحقاً صحيفة حزب الله ذاتها، فيما يبدو محاولة لتدارك تداعيات ما نشرت قبل أيام)، فإن قضية مسمى سورية في أي دستور جديد ستظل قضية حاضرة بقوة في جدالات ونقاشات كل السوريين؛ المعنيين وحدهم بدستورهم. وذلك بسبب موقف الأكراد؛ المدعومين من الولايات المتحدة وروسيا بشكل تام، إذ يصرون طبعاً أن المسمى الوحيد المقبول هو "الجمهورية السورية" فحسب.
والسؤال الموجه للسوريين، ببساطة، هو: هل يستحق المسمى هذا الجدل، أو أي جدل على الإطلاق؛ أي فرق في تسمية سورية "الجمهورية السورية" بدلاً من "الجمهورية العربية السورية"؟
يمكن المجادلة منطقياً -فلست أملك الرواية التاريخية لظروف اعتماد اسم سورية الحالي- أن "العربية" ما وُضعت في الاسم إلا من باب الفخر. وهو ما جيره حزب البعث لاحقاً فقط لمحو الهوية الكردية السورية، فيما لم يكتف نظام الأسد "القومي العروبي"، بأنه لم يحرر ليمونة أو يرجع زيتونة من فلسطين، بل كان كذلك المسؤول عن قتل عدد من الفلسطينيين في لبنان، إبان حربه الأهلية، أكثر مما قتلت إسرائيل منذ العام 1948!
في المقابل، فإن الإصرار اليوم على صفة "العربية"، إن لم يكن مبعثه مناكفة الأكراد السوريين، فأسوأ منه أن يكون من باب التعبير على تخوف مسيء لسورية؛ لأنه تخوف على عروبتها! وسورية لا يمكن أن تكون مهددة بعروبتها التي تنتمي لها أغلبية السوريين، رغم ما تفعله إيران التي تمثل معول التشويه والهدم الوحيد هنا، وليس السوريين الأكراد أبداً.
ليس المهم أن تسمى سورية "الجمهورية العربية السورية" أو "الجمهورية السورية"؛ المهم أن تظل وطناً موحداً، بجغرافيته وشعبه من كل عرق ودين وطائفة، عبر وحدة المواطنة الحقيقية للجميع. وعندها ستكون سورية حتماً ودوماً منتمية لإنسانيتها، وضمنها العروبة الحقة، وليس العروبة الشوفينية القاتلة التي صارت مرادفة لأبشع أشكال الاستبداد والفساد، فدمرت بلدانها وهجرت أهلها، لتكون مستباحة من الإيراني والباكستاني والأفغاني والروسي... والقائمة تطول.