العقوبات تقف عائقا أمام التجارة والاستثمار بينما تتطلع سورية إلى إعادة الإعمار

Untitled-1
Untitled-1

ترجمة: علاء الدين أبو زينة

فريدريك كيمالي* – (معهد الشرق الأوسط) 18/12/2018
العقوبات على مخالفة الحظر المفروض على سورية مالية، والتي ترتفع لتصل إلى 250.000 دولار أو ضعف مبلغ المعاملة التجارية المعني؛ وعند الإدانة، ربما يرتفع مبلغ الغرامات إلى مليون دولار، وقضاء عقوبة في السجن قد تصل إلى 20 عاما، أو كليهما معاً، لأي شخص ينتهك، أو يحاول انتهاك، أو يتآمر على انتهاك، أو يتسبب في انتهاك لوائح العقوبات. وباختصار، تعني العقوبات على سورية أنه لا يحق لأي شخص أميركي، بغض النظر عن مكان تواجده، أن يتعامل مع الحكومة السورية أو أي أشخاص أو شركات تابعة لها، في الممتلكات، أو الاستثمار، أو الخدمات، أو المنتجات، والنفط، الخاضعة كلها لعقوبات صارمة.

  • * *
    دمرت الحرب السورية المستمرة منذ أكثر من سبع سنوات الكثير من أنحاء ذلك البلد، ويبدو أنها أصبحت الآن تلفظ أنفاسها الأخيرة. وبينما يصل الصراع السوري إلى نهايته، سوف تركز المرحلة التالية على إعادة الإعمار، مع تركيز خاص على تنشيط التجارة والاستثمار. والآن، يعمل اللاعبون الرئيسيون، والشركات ووكالات التنمية، والمؤسسات الحكومية على استكشاف الفرص في هذه المجالات.
    في الجزء الذي يتعلق بالتمويل، يقدر الاقتصاديون الحاجة إلى استثمار مبلغ يقع في مكان ما بين 250 مليار دولار وترليون دولار. ومع ذلك، لا تستطيع هذه الأموال أن تتدفق في الوقت الحالي إلى سورية، بسبب العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي على البلد، والتي تضع حظراً على التنمية الاقتصادية في سورية، وتشمل عقوبات رئيسية وثانوية على حد سواء.
    العقوبات الرئيسية هي تلك التي تفرضها الدول المقاطعة على مواطنيها وشركاتها، وتمنعهم من التعامل مع نظرائهم في الدول التي تخضع للعقوبات. وعادة ما تتخذ هذه القيود شكل تجميد الأصول والحظر التجاري. وتُفرض العقوبات الثانوية بشكل غير مباشر على الأطراف الثالثة عن طريق الضغط عليهم لوقف تعاملاتهم وأنشطتهم مع الدولة الخاضعة للعقوبات. ويتم تهديد هذه الأطراف الثلاثة –نمطياً- بحرمانهم من الوصول إلى البلد الذي يفرض العقوبات، وخاصة استخدام نظامه المالي لمزاولة الأنشطة التجارية الدولية.
    تواجه سورية كلا النوعين من العقوبات، والتي تغطي مجالات الملكية، والتجارة، والأمن، والتمويل، والقروض، والتأمين، والواردات، ومنتجات النفط والطاقة، والتكنولوجيا وعدد من الحقول الأخرى –وبالتالي، معظم القطاعات الإنتاجية في الاقتصاد. ونتيجة لذلك، تشكل العقوبات عقبة كأداء أمام أولئك الذين يتطلعون إلى الاستثمار في سورية أو الاتجار معها.
    إذا ما نُظر إليها من منظور قانوني، فإن لوائح العقوبات عادة ما تتضمن ثلاثة عناصر: كيان، وموضوع، وعقوبة. ومع ذلك، فإن ما يوسع نطاقها بشكل كبير هو البعد المتعلق بالتهديد السياسي: ثمة في كل الأوقات خطر كامن من تعرض الأشخاص والشركات غير المباشر للعقوبات بسبب الصيغ الغامضة التي تستخدم في نصوص هذه العقوبات، والتي تترك متسعاً للتأويل. ونتيجة لذلك، فإن أي شخص أو شركة لا يقعان مباشرة في نطاق العقوبات يمكن أن يكونا مع ذلك عرضة لإجراءات الدولة التي تفرض العقوبات.
    دعونا نبدأ بالعقوبات الأميركية، بما أنها الأكثر دقة وشمولية، والتي تدقق على كل عناصر الكيان والموضوع والعقوبة.
    يُحظر على الكيان إجراء المعاملات المتعلقة بالملكية والمصالح الخاصة بأملاك الحكومة السورية ومع أشخاص معينين؛ أو إجراء التعاملات والتحويلات المالية مع أشخاص أجانب على النحو الذي يحدده وزير الخزانة الأميركية بالتشاور مع وزير الخارجية؛ بالإضافة إلى تجميد لكل الأملاك والمصالح التي في حوزة الحكومة السورية، ووكالاتها، والكيانات والأشخاص الذين تحت سيطرتها والموجودين في الولايات المتحدة أو في حيازة أو سيطرة أشخاص أميركيين. كما يُحظر أيضاً إجراء المعاملات والتحويلات المالية من أي شخص أميركي، بغض النظر عن مكانه، والتي تشمل أي استثمار جديد في سورية، أو تزويد المنتجات والخدمات، أو الاتجار بالنفط أو المنتجات النفطية من منشأ سوري، وكذلك أي موافقة أو تمويل أو تسهيل أو ضمان من أي شخص أميركي، بغض النظر عن المكان الذي يتواجد فيه، لتعامل يقوم به شخص أجنبي، والذي يكون محظوراً إذا قام به شخص أميركي في داخل الولايات المتحدة.
    الموضوع هم قائمة من "المواطنين المصنفين تصنيفاً خاصاً"، والتي يتم الاحتفاظ بها وتحديثها في سجل فيدرالي في الولايات المتحدة. وتشكل القائمة الأشخاص الذين تم تجميد ممتلكاتهم أو الذين حُظر التعامل معهم.
    والعقوبات مالية، والتي ترتفع لتصل إلى حد 250.000 دولار أو ضعف مبلغ التعامل المعني؛ وعند الإدانة، ربما يرتفع حجم الغرامات إلى مليون دولار، والسجن لما يصل إلى 20 عاماً، أو كليهما، لأي شخص ينتهك، أو يحاول انتهاك، أو يتآمر على انتهاك، أو يتسبب في انتهاك لوائح العقوبات. وباختصار، تعني العقوبات على سورية أنه لا يحق لأي شخص أميركي، بغض النظر عن مكان تواجده، أن يتعامل مع الحكومة السورية أو أي أشخاص أو شركات تابعة لها، في الممتلكات، أو الاستثمار، أو الخدمات، أو المنتجات، والنفط، الخاضعة كلها لعقوبات صارمة.
    يكشف تحليل أعمق لهذه الآلية عن نقطتين: أولاً، يتم تحديث قائمة الأشخاص المصنفين تصنيفا خاصا بشكل منتظم، وهو ما قد يجعل أي مستثمر محتمل متحفظاً بشأن إجراء تعاملات تجارية مع شخص سوري ليس موجوداً حالياً في القائمة، بالنظر إلى خطر إمكانية إضافته إليها في المستقبل. ثانياً، يشكل منع الموافقة، أو تمويل، أو تسهيل، أو ضمان شخص أميركي لتعامل يقوم به شخص أجنبي والتي تكون محظورة إذا قام بها شخص أميركي في داخل الولايات المتحدة، جزءاً من العقوبات الثانوية، والتي توسع نطاق الكيانات والأشخاص المعنيين إلى كل الأشخاص في العالم الذين إما يقومون بتنفيذ المعاملات عن طريق نظام التحويلات المصرفية، "سويفت"، الذي تراقبه الولايات المتحدة، أو باستخدام العملة الأميركية، الدولار.
    وبما أن معظم المعاملات الدولية تتم بالدولار، فإن هذا يعني أن تكون كل أنواع الاستثمار والتجارة مع سورية مجمدة، مما يستلزم البحث عن بدائل. ومع ذلك، توجد عدة خيارات ممكنة، والتي يمكن أن تسمح بالتجارة والاستثمار في سورية، سواء تم رفع العقوبات عنها أم لا.
    أولاً وقبل كل شيء، إذا تمت إزالة العقوبات عن سورية، يمكن أن تتدفق الأموال بحرية إلى البلد من دون قيود قانونية أو مخاطر تشغيلية. وحتى يحدث ذلك، يجب أن يتم التوصل إلى تسوية سياسية متفاوض عليها بين اللاعبين الرئيسيين والداعمين للأطراف في الحرب السورية، بمن فيهم الولايات المتحدة، وروسيا، وتركيا، وإيران والسعودية. وسوف يتضمن هذا الحل رسم خريطة طريق للاستثمار وإعادة الإعمار، ورفع بعض العقوبات المالية، وتسهيل الوصول إلى رأس المال في سورية، بكل من الدولارات والعملات الأخرى. وسوف تتدفق النقود من خلال نظام "سويفت"، وسوف تعطي ميزة للاعبين المشاركين في التسوية، وخاصة الولايات المتحدة، فيما يتعلق بمراقبة المعاملات والتحويلات المالية إلى سورية ومنها.
    أما إذا لم يتم التوصل إلى حل سياسي تفاوضي، فإن هناك بدائل، ولو أنها تظل خاضعة للمخاطر واعتبارات أخرى.
    الخيار الأول هو استخدام نظام بديل عن "سويفت"، والذي كان في الأساس منظمة تعاونية محايدة لإرسال واستقبال الرسائل المالية، لكنه أصبح خاضعاً للرقابة الدقيقة للولايات المتحدة في السنوات الأخيرة. وقد تم تطوير العديد من خدمات الدفع والبطاقات والتي تتجنب نظام "سويفت". وهناك نظامان للتحويلات هما الأكثر صلة في هذا السياق: نظام الدفع الصيني China Union Pay، ونظام كارتا مير Karta Mir. والنظام الصيني هو نظام دفع عابر للحدود بالبطاقات، والذي وافق عليه البنك المركزي الصيني وتقبله الآن أكثر من 1.800 موسسة في 170 دولة ومنطقة في جميع أنحاء العالم. ونظام كارتا مير هو معادله الروسي، الذي أنشأه البنك المركزي الروسي.
    هذه الخيارات مصممة أساساً لروسيا والصين. وثمة بديل أوروبي هو بنوك بوابات الدفع، الذي يسمح لها بالاستثمار في سورية بينما تتجنب مخاطر التعرض للعقوبات الأميركية الثانوية. وهذه البنوك هي وسائل ذات غايات خاصة، والتي يمكن إنشاؤها لعمليات تمويل التجارة السورية-الأوروبية. ويمكن أن يتم تصميمها لتجنب العقوبات المفروضة على التعامل بالدولار، لكن المخاطر ستكون في الحد الأدنى حتى لو تعرضت لها هذه البنوك، حيث أنها ستكون صغيرة وستعمل من دون استخدام العملة الأميركية. وسوف يكون هدفها هو أن تعمل كوسيط بين البنوك الأوروبية والسورية. وسوف تبدو مثل بيوت المقايضة، حيث يكون اليورو سلعة والليرة السورية سلعة أخرى، مما يخلق سوقاً تسمح للتبادل بأن يحدث من دون الحاجة إلى استخدام عملة وسيطة.
    وهناك خيار ثالث هو استخدام نظام تبادل بالمقايضة قائم على الائتمان. والمقايضة هي الشكل الأساسي للتجارة، والتي تسبق تاريخياً اختراع العملة. ولا تقتصر المقايضة الحديثة، التي هي عمل مزدهر في العديد من أجزاء العالم، على تبادل بين فريقين كل منهما محتاج إلى بضائع الآخر، وإنما يمكنها أن تكون متعددة الأطراف وأن تعمل كما يلي: يتم إنشاء نظام ائتماني في بيت مقايضة، ويعطى لكل إيداع من المخزون عدداً من الاعتمادات، ويمكن تطبيق هذه الاعتمادات على أي مخرون في بيت المقايضة. ويمكن أن يتم توسيع مثل هذا النظام ليشمل عدداً كبيرة من المشاركين، بلد –أو حتى العديد من البلدان.
    تشمل الخيارات الأخرى: تطبيق برنامج للنفط في مقابل الإعمار، على نحو يشبه برنامج النفط مقابل الغذاء العراقي، حيث يتم تصدير النفط مقابل الاستثمار في إعادة الإعمار، والذي يُدفع مقابله كله من خلال حسابات ضمان؛ والتطور بحكم الأمر الواقع لأسواق سوداء ورمادية حيث ربما يحدث تهريب للأموال، بمعرفة السلطات أو من دونها؛ أو التحول إلى الاكتفاء الذاتي، حيث تجعل دولة من نفسها مكتفية ذاتية، وهو ما سيبطئ إعادة الإعمار، لكنه يزيد من المقاومة للضغط الخارجي.
    ومع ذلك، سوف تتبقى على المدى الأطول قضايا هيكلية أكبر تحتاج إلى معالجتها. في الوقت الراهن، يعمل مكتب مراقبة الأصول الأجنبية الأميركي (OFAC) باعتباره وكالة إنفاذ الالتزامات الرئيسية في العالم، وبحيث كل التعاملات العابرة للحدود تكون معرضة للتدقيق الأميركي.
    ويسمح ذلك للولايات المتحدة بمراجعة ومنع المعاملات التي لا تتماشى مع مصالحها، ويعرض الدول الأخرى لخطر التعرض للعقوبات الثانوية التي تؤثر على الأنظمة المستخدمة لتنفيذها. وبالتالي، ثمة حاجة واضحة إلى تطوير وكالات إقليمية، على غرار مكتب مراقبة الأصول الأجنبية الأميركي، والتي تتولى المسؤولية عن رصد ودعم العمل الواجب بشأن المعاملات التي تتم بين البنوك التي تقع في مناطقها وبين البنك المركزي السوري.
اضافة اعلان

*مستشار في القانون والحوكمة والأعمال التجارية. يحتل العديد من المناصب، بما في ذلك الشريك الإداري في شركة كيمالي وشركاه، وهي شركة خدمات استشارية للشركات؛ والسكرتير التجاري لمجموعة ماليا؛ وعضو لجنة في معهد المالية والحكم؛ ومستثمر في أسواق الأسهم، مع تركيز على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
*نشر هذا الموضوع تحت عنوان: As Syria looks to rebuild, sanctions remain a major barrier to trade and investment