العلاقات السعودية - السورية

كبيرة، وخطيرة، هي دلالات التوتر السياسي السعودي - السوري الذي طفح أخيراً تهجماً صريحاً من نائب الرئيس السوري فاروق الشرع على دور السعودية ورداً سعودياً واضحاً مباشراً اعتبر النظام السوري أداة فرقة بين العرب.

اضافة اعلان

كانت سورية تنتقد السعودية سابقاً بشكل غير مباشر. وكانت السعودية ترد بإجراءات هادئة تدفع النظام السوري الى العودة عن موقفه والسعي نحو ترميم العلاقات بين البلدين. وكان الحرص على العلاقات مع السعودية ثابتاً في السياسة السورية.

بيد أن تغيراً طرأ على نظرة سورية الى علاقاتها مع السعودية. الواضح أن سورية لم تعد ترى في العلاقة مع الرياض مصلحة استراتيجية. أول مؤشرات هذا التغير المباشرة ظهرت خلال كلمة الرئيس السوري بشار الأسد قبل اكثر من عام حين وصف قادة دول عربية بينها السعودية بـ"أنصاف الرجال". كان الخطاب نقطة تحول لافتة في العقيدة السياسية السورية. ومثّل هجوم الشرع المباشر على السعودية قبل أيام نقطة تحول ثانية، عكست قراراً سورياً بمهاجمة السعودية وعدم الالتفات الى تبعات ذلك.

لا يمكن عزل هذا التغير الاستراتيجي في السياسة السورية عن احداث اقليمية مرتبطة أساساً بلبنان وإيران.

النظام السوري غير مرتاح للسياسة السعودية التي تسعى الى محاصرة الأزمة اللبنانية والخروج بحل يضمن أمن واستقرار لبنان لكن لا يحقق رغبة النظام السوري الاحتفاظ بحق الوصاية على جاره "الصغير".

فالأولوية السورية هي استمرار التوتر في لبنان من أجل أن تتمكن من توظيف الأزمة في منع المحكمة الدولية، المكلفة محاكمة من يتهم باغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، من المضي في التحقيق الى مراحل قد تطال النظام أو رموزاً رئيسيين فيه.

فاحتواء الأزمة اللبنانية، قبل الوصول الى ضمانات تحد من صلاحيات المحكمة الدولية، يشكل بالنسبة للنظام السوري ضرراً لا يمكن التعايش معه. لذلك فإن النظام السوري غاضب على السعودية لأنها معنية بحماية لبنان من الانحدار نحو المزيد من الفوضى بمعزل عن مآلات تحقيق المحكمة الدولية.

العامل الآخر الذي دفع النظام السوري الى استهداف الدور السعودي في المنطقة هو اعتماد السعودية على الحوار المباشر مع ايران حول الأوضاع في لبنان. فالنظام السوري، ورغم تحالفه الاستراتيجي مع ايران، يعتقد أن كل الطرق الى لبنان يجب أن تمر عبره. ويخشى هذا النظام من أن الحوار السعودي - الايراني المباشر يضعف أوراقه.

إلا أن النظام السوري لا يستطيع ان يعبر عن امتعاضه من تهميش دوره في الحوار السعودي - الايراني حول لبنان من خلال انتقاد ايران التي باتت السيد في التحالف السوري - الإيراني. فقد حرق هذا النظام اكثرية سفنه ووضع مصيره، الى درجة كبيرة، في القارب الايراني. وفي ضوء ذلك لا يملك النظام السوري انتقاد ايران. وبالتالي فإن توتير العلاقة مع السعودية قرارٌ يأمل النظام السوري أن يستطيع من خلاله عرقلة أي تفاهم سعودي - ايراني والحؤول دون التوصل الى حل للأزمة اللبنانية.

التغير في ثوابت السياسة السورية يعكس أزمة تكاد تكون غير مسبوقة في تاريخ النظام السوري. فتحالف هذا النظام مع ايران غير متوازن. ولا تملك سورية أدوات إعادة تأطير علاقاتها مع ايران بعد أن أغرق النظام السوري في الاعتماد على طهران سياسياً واقتصادياً.

يخشى النظام السوري من أن تضحي إيران به من أجل مكتسبات في العلاقات مع السعودية ومع المجتمع الدولي. وأمام هذه الحال من محدودية الخيارات، يبدو أن القرار السوري هو تأزيم العلاقة مع السعودية وتخريب أي اتفاق يمكن أن تصل اليه ايران والسعودية حول لبنان حيث ما تزال سورية تملك أدوات مؤثرة.