العلاقة بين الفقر والجريمة

 

هل يؤدي الفقر إلى ارتفاع معدلات الجريمة والانحراف؟ وهل يكفي عامل الفقر لتفسير العديد من الظواهر ومنها جرائم الشرف كما أظهرت دراسة المركز الاردني للبحوث الاجتماعية ومركز المفرق للبحث والتي تطرقت لهذا الموضوع مؤخرا، وهل الخلاصة أن تحسين الوضع المعيشي سيقضي على تلك الظاهرة التي تعود الى قرون عديدة؟

اضافة اعلان

كلها اسئلة تتبادر الى الذهن لدى مراجعة المسح الذي نفذ مؤخرا ورصد مائة حالة على مدى خمس سنوات، اي بمعدل عشر حالات لكل عام، وهو عدد قليل من المشاهدات لا يكفي برأينا للتوصل الى الاستنتاج بالعلاقة السببية التي طغى عليها العامل الاقتصادي. 

نظريا من السهل الربط بين معدلات الجريمة والفقر، فالمناطق الفقيرة ليس فيها نظام تعليمي جيد، وليست مخدومة وهي تعاني من كافة انواع المشاكل التي تدفع الى الانحراف، وهذا ما نتفق معه، ولكن ما نختلف عليه هو تحديد نوع معين من الجرائم المرتبطة بمجموعة معقدة من العوامل، والاستنتاج أن العامل الاقتصادي -الفقر- هو العامل الرئيس في تفسيرها مجتزأ، وهنا  نتساءل عندما كان الوضع الاقتصادي حتى منتصف الثمانينات في الاردن جيدا، وعندما كان الاردن لا يعاني  من مشاكل في البطالة، وكان مستوى الدخل والمعيشية أفضل مما هو عليه الآن، هل غابت جرائم الشرف عن المجتمع الاردني؟ وهل تغيرت مواقع حدوث الجريمة أو أدواتها أو الطريقة التي يتم اختيار الشاب الذي سينفذها؟

ما حصل خلال العقدين الماضيين من تحولات اقتصادية رفع مستويات البطالة والفقر الى مستويات تزيد كثيرا على مستوى الزيادة في الجرائم التي تم تسجيلها، وما حصل في الحقيقة تبدل في نوعية الجرائم، ففي الوقت الذي يتم التركيز فيه على جرائم العنف المباشرة، ينسى البعض جرائم أخرى مثل الفساد والإثراء غير المشروع، وهي عوامل لا تقل في تأثيرها عن الفقر بالمعنى المطلق، وفي الحقيقة فإن نسبة الجرائم المرتكبة في أوساط الفقراء نسبة الى عدد السكان تعتبر أقل من نظيرتها في اوساط ميسوري الحال، ولننظر الى جرائم المخدرات والسرقة والتزييف وغيرها من الجرائم التي لا تحظى بتغطية إعلامية مشابهة لجرائم الشرف.

فالنوع الثاني من الجرائم يعتبر عاديا من المنظور الغربي والاستشراقي، لذلك ليس من الضرورة تخصيص برامج دعم له أو التركيز عليه، أما النوع الأول فهو يرتبط بثقافة قديمة سائدة قبل الإسلام، وهو مرتبط بمنطقتنا وتراثنا، وهذا لا يقلل من أهمية هذا النوع من الجرائم التي ترتكب تحت كافة المسميات الدينية والأخلاقية والتي في كثير من الأحيان لا علاقة لها بسبب ارتكاب ذلك النوع من الجرائم.

ونقول هذا في الوقت الذي تنتشر فيه انوع جديدة من العنف والتوتر الاجتماعي محليا والتي يعزوها الى أسباب اقتصادية، فإنغلاق الأفق أمام الشباب وعدم وجود منافذ لتفريغ الطاقة السلبية والايجابية وانتشار الفساد وتفضيل الحياة السهلة، كلها عوامل لا تقل أهمية عن مستوى الدخل. 

العامل الاقتصادي مهم ولكنه ليس محددا للسلوك الاجتماعي، فالفقر سيئ من حيث المبدأ، لأن ذلك يرافقه الجهل والحرمان معا وما ينجم ذلك من ممارسات خاطئة ومن ضمنها ما يعرف بجرائم الشرف، وعلنا أن ننظر الى الأمور بمقياس عام، ونتساءل ما الذي حل بمجموعة القيم التي تحكم المجتمع وما أسباب تراجعها، العامل الاقتصادي سيكون واحدا من متعدد، وإلا كيف نفسر السلوك السوي للغالبية العظمى من فقراء مجتمعنا.