العلاقة مع مصر في منظور النخبة الإيرانية

كثرت التقارير مؤخرا التي تتحدث عن احتمالية عودة العلاقات بين طهران والقاهرة. هذه التقارير استندت إلى جملة من الزيارات واللقاءات التي جمعت بين مسؤولين إيرانيين ومصريين، وتكفي هنا الإشارة إلى اللقاء الذي جمع مجموعة من الأكاديميين والمصريين والإيرانيين بتنظيم من مؤسسة باران التي يقوم عليها الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي، وقد تبعت ذلك زيارة شبه سرية قام بها مساعد وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، وقد تبعتها زيارة من مساعد وزير الخارجية المصري. ولحقت ذلك، أيضاً، زيارة لوزير الخارجية الإيراني منوجهر متكي، ثم الزيارة شبه الرسمية لكبير المفاوضين الإيرانيين السابق علي لاريجاني، وأخيرا زيارة رئيس مجلس الشورى الإسلامي غلام حداد عادل وكبير مستشاري مرشد الثورة ورئيس مجلس الشورى الإسلامي السابق علي أكبر نوري.

اضافة اعلان

هذه الزيارات أعطت انطباعا بأن البلدين بصدد رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي والسعي نحو تطوير هذه العلاقات، لكن مثل هذا الفهم يبدو انه يفتقد إلى الدقة، وذلك بسبب جملة من القضايا التي تمنع فعليا تقدم هذه العلاقات، ولعل الأبرز في هذه القضايا أن ملف العلاقات من النظام السياسي في إيران بعد عام 1979 هو ملف امني قبل أن يكون ملفا سياسيا؛ فالكلمة الأولى والأخيرة هي للمؤسسة الأمنية التي لا يبدو أن موقفها سيتغير من إيران.

مصر التي لا تبدو راضية عن الدور الإيراني في العراق، وعن طبيعة العلاقة مع حماس، وكذلك عن العلاقة الخاصة بين سورية وإيران التي أخذت سورية بعيدا عن محيطها العربي. هذه القضايا الظاهرة على السطح، لكن هناك الأهم وهو أن التقسيم الذي جعل مصر في معسكر المعتدلين وإيران في معسكر المتشددين يزيد من الفجوة بين البلدين. هكذا تبدو الصورة للمراقب، فكيف تفهم النخبة الإيرانية هذه التطورات؟

يسود فهم بين النخبة السياسية في طهران أن مصر تريد الاستفادة من ملف العلاقة مع طهران كاستراتيجية "متوسطة المدى" في سبيل حماية مصلحتها الوطنية، كما تسعى القاهرة لاستعماله كورقة ضاغطة على الولايات المتحدة، وذلك في أعقاب التوتر الذي يسود العلاقات المصرية الأميركية وتخفيض حجم المساعدات الأميركية لمصر من قبل الكونغرس، وذلك في أعقاب الانتقادات التي وجهت الى مصر من قبل إسرائيل بسبب عدم "عمل ما يجب" لوقف تهريب الأسلحة عبر الانفاق إلى حماس في غزة، وكذلك الانتقاد الموجه إلى مصر من قبل الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بالتدهور الذي يلحق بأوضاع حقوق الإنسان في مصر. وفي الوقت نفسه تستجيب إيران لمثل هذا التطور للانتفاض على جدار العزلة الذي تسعى الإدارة الأميركية لفرضه عليها. من هنا فانه لا يجب إعطاء هذه الفرصة لمصر، بخاصة وان النخبة الإيرانية ترى أن ذلك قد يؤدي إلى التقليل من حجم ما حققنه إيران خلال الأعوام الأربعة الماضية إقليميا، لا سيما وأن أي تأثير مصري أكبر في المنطقة يعني بشكل أو بآخر انحصارا للدور الإيراني في الإقليم. الأمر الآخر هو أن هذه النخبة تؤمن أن المانع الحقيقي أمام إعادة العلاقة بين البلدين هو المؤسسة الأمنية في مصر التي ما تزال تعتبر إيران تهديدا.

في هذا السياق يأتي الحديث عن ضرورة عدم الهرولة نحو مصر قبل طي مراحل مهمة أبرزها معرفة أعمق بسبب الانفتاح الذي تبديه مصر نحو إيران، وكذلك معرفة علاقة ذلك بالظرف الذي تعيشه المنطقة، وأخيرا معرفة العائد السياسي والاستراتيجي الذي ستحصل عليه إيران من وراء إعادة هذه العلاقات. الأهم من ذلك هو معرفة الضرر الذي لحق بإيران بسبب انقطاع العلاقات مع مصر، لأنه وفقاً للفهم الإيراني إذا لم يكن هنالك من ضرر أو أن الضرر لم يكن بالمستوى الكبير فما مبرر كل هذه الهرولة؟!

 في سياق آخر فان هناك اعتقاداً بأنّ الحكومة الإيرانية، التي فشلت في تنفيذ وعودها فيما يتعلق بتحسين المستوى الاقتصادي للإيرانيين مع وجود عائد نفطي يتجاوز 65 بليون دولار، إنما تبحث عن تحقيق انجاز في ميدان السياسة الخارجية عبر إثارة نوع من التنافس بين الدول العربية، لا سيما مصر والسعودية، وذلك كوسيلة لإظهار وكأن هناك تنافسا في تطوير العلاقات مع طهران.

إن كل ما عكسته وسائل الإعلام من "غزل" بين طهران والقاهرة لا يبدو أنه يدفع باتجاه أي نوع من الارتباط أو العلاقة، حتى ولو كانت قصيرة الأمد، لان الظرف الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط، ومسالة التصور القبلي الموجود لدى كل من مصر وإيران عن بعضهما البعض يجعلان من الصعوبة القفز على كل هذه الجدران من الشك وعدم الثقة.

[email protected]