العلاقة مع وسائل الإعلام

مثلتْ أزمة كورونا اختبارا حاسما لدور وسائل الإعلام في حياة الناس، وخرج الجميع بعد الأزمة بقناعة أنه وبدون دعم وسائل الإعلام ما كان بالإمكان كسب الجولة الحاسمة في المعركة مع الفيروس.اضافة اعلان
المرحلة التالية "ما بعد كورونا" أكثر حساسية وخطورة. انتشال الناس من حالة اليأس الاقتصادي والاجتماعي، وحشد الأغلبية الشعبية خلف خطط الدولة للتعافي والإقلاع بالاقتصاد الوطني، لن تحقق أهدافها بدون إعلام مهني ومنصف وموضوعي، يحظى بالمصداقية والنزاهة والاحتراف.
تجربة الإيجاز اليومي لوزيري الإعلام أمجد العضايلة والصحة سعد جابر، ومشاركة وزراء آخرين أحيانا، كانت واحدة من أفضل الأفكار التي ابتدعتها الحكومة وخلية الأزمة.
لكنّ المرحلة المقبلة مختلفة نسبيا وتتطلب اشتباكا على نطاق أوسع مع وسائل الإعلام والجمهور، وانخراط أكبر من طرف المسؤولين في النقاش العام حول السياسات، إلى جانب ممثلي القطاع الخاص والخبراء من مختلف الاتجاهات، بدون تجبّر أو تكبّر.
ينبغي على المسؤولين أن يتحلوا بالتواضع وهم على أعتاب مرحلة جديدة، ويصغوا إلى صوت الناس في عموم المملكة، ويختبروا أفكارهم وخططهم في حوار مفتوح مع من يختلفون معهم في الرأي والتوجه.
وسائل الإعلام هي المنصة المثالية لإدارة مثل هذه الحوارات بدون شروط مسبقة، وكسب الدعم الأهلي للسياسات والخطط والبرامج، فالرأي العام لم يعد كما كان في السابق، متلقيا وممتثلا لما يقوله المسؤول. وثبت أن أفضل وسيلة لكسب التأييد للسياسات هي في إخضاعها للحوار والنقد والشرح لا في تقديمها كجرعات العلاج.
تعاون وسائل الإعلام مع المسؤولين عن الخطاب الإعلامي في مؤسسات الدولة كافة كان له أثر بالغ في تحقيق اختراقات مهمة في علاقة الدولة مع مواطنيها. وتجربة الوزير العضايلة كانت العنوان الأبرز في هذا النجاح.
لكن أصابع اليد الواحدة ليست مثل بعضها، فثمة تيار من المسؤولين قليلي الحكمة والصبر، وينظرون إلى وسائل الإعلام باعتبارها أدوات تحت التصرف، مسخرة لخدمتهم وكما يشتهون.
الوضع ليس كذلك أبدا، ولو كانت وسائل الإعلام على هذه الشاكلة لأخفقت في كسب ثقة الرأي العام.
الصحف اليومية ومحطات التلفزة والمواقع المحترمة، لا يختلف دورها هنا عن دور مستشفى البشير، فهي تقدم خدمة عامة، فهل سمعتم يوما أن "البشير" رفض استقبال مراجع لأنه معارض لسياسات الحكومة؟ وهل يمكن للمريض في المستشفى أن يفرض على الطبيب بروتوكول علاجه؟ وذلك بالطبع لا يعني عدم وقوع الطبيب بأخطاء أثناء فترة العلاج.
لقد كان سهلا علينا جميعا في المرحلة السابقة من الأزمة بناء الإجماع الوطني حول السياسات والقرارات، لأنها في مجملها تخص صحة الناس وحياتهم، لكن المهمة في هذه المرحلة أكثر صعوبة، فنوعية التحديات مختلفة ويتطلب التوافق حولها مساحات واسعة من الحوار والنقاش العام، وبذل جهود أكبر لإقناع الناس ببرامج تحاكي مشاكلهم الاقتصادية والمعيشية، وهي في طبيعتها قضايا تخضع للاجتهاد، والأهم من ذلك لا تنال الشعبية دائما، لكن "شطارة" المسؤولين هي العامل الحاسم في كسب الاحترام والثقة بقدرتهم على إدارة المرحلة الجديدة.
الحكومة خطت تجربة ممتازة في الفترة السابقة، وليس من مبرر لإفسادها مستقبلا.