العلة ليست في قانون الانتخاب

مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية المقبلة تزايد الحديث عن قانون الانتخاب، وهذه سَنة أردنية بامتياز، وبفضلها تم تقليب عدد من الأنظمة الانتخابية دون انتظار فترة كافية لتقييم مخرجاتها.اضافة اعلان
أي نظام انتخابي يحتاج لدورتين انتخابيتين على الأقل لمعرفة مزاياه وعيوبه، والنظام الانتخابي الحالي القائم على مبدأ تقدمي هو التمثيل النسبي لم يختبر سوى لجولة انتخابية واحدة. وظهور بعض العيوب في التطبيق للمرة الأولى ليس سببا وجيها لتغيير النظام الانتخابي دون إعطاء الوقت الكافي لاختباره مرة ثانية. الأنظمة الانتخابية في الدول الديمقراطية العريقة تعاني من عيوب كثيرة، لكن وبالرغم من ذلك يستمر العمل فيها لعقود طويلة.
المشكلة في بلادنا وكما أكدت تجربة العقود الثلاثة الماضية، لا ترتبط بطبيعة النظام الانتخابي، بل في ضعف الحياة الحزبية.
بعد نحو عقد من الزمن على التحول الديمقراطي، سادت قناعة في أوساط النخب السياسية مفادها أن تطوير الحياة البرلمانية والسياسية في الأردن لن يتحقق دون تنمية الحياة الحزبية. واتجهت الأنظار لتطوير قانون الأحزاب أولا، وبالنتيجة نمت الأحزاب حتى فاق عددها الخمسين حزبا. لكن اكتشفنا بعد ذلك أن هذا النمو الكمي لم يحسن مكانة الأحزاب في المجتمع. وبسبب هذا الفشل، ألقت الأحزاب بالمسؤولية على النظام الانتخابي، في محاولة للعودة إلى ما قبل الفتوى الدستورية التي رفضت منح الأحزاب كوتا في البرلمان.
قانون الانتخاب الحالي يمنح الأحزاب الحق في المنافسة على جميع مقاعد البرلمان، وتشكيل قوائم على مستوى المحافظات، وبناء تحالفات مع أحزاب اخرى وشخصيات مستقلة، وإعلانها على مستوى البلاد كقائمة وطنية باسم الحزب أو الائتلاف الحزبي. فلماذا تتخلى الأحزاب عن حقها في المنافسة على 130 مقعدا لصالح كوتا لن تزيد على 30 مقعدا؟!
والمفارقة هنا التي تعكس تناقضا كبيرا في موقف الأحزاب، هي دعوتها لإلغاء الكوتات في قانون الانتخاب، بينما تطالب في ذات الوقت بكوتا خاصة لها.
تجربة الانتخابات الأخيرة أظهرت بأن النظام القائم في القانون يعطي القوائم الحزبية والمسيسة فرصة جدية للمنافسة والفوز، والأهم أن جمهور الناخبين مستعد للتفاعل ودعم القوائم المسيسة إذا ما اقترنت ببرنامج وصاحبها حملة انتخابية منظمة وذكية، وأبرز مثالين على ذلك قوائم حزب جبهة العمل الإسلامي "الاصلاح"، وقائمة "معا" في "عمان الثالثة" التي حصدت نسبة عالية من الأصوات بفضل برامجها وحشد جمهور الناخبين خلفها.
أما نظام القائمة على مستوى الوطن، فقد تم تجريبها في انتخابات سابقة، ولم تحمل للبرلمان حزبيين أكثر مما حملت القوائم على مستوى المحافظة، كما أن مخرجاتها لم تنعكس بشكل إيجابي على أداء البرلمان السابق، فلماذا نعود لتجريب نظام أخفق سابقا في إحداث أي فارق.
أمام الأحزاب والقوى المهتمة بالعمل العام ثلاث جولات انتخابية العام المقبل "مجالس محلية وبلديات وبرلمان" وعليها أن تستعد منذ الآن برص صفوفها وتنظيم قواعدها بدلا من إهدار وقتها بمعارك لا طائل منها.
الاصلاح المطلوب هو للعملية الانتخابية؛ ثقافة وممارسة وليس لقانون الانتخاب، الذي تبدل وتغير مرات عديدة ولم تختلف النتائج.