العلمانية هي المستقبل

لا تكاد توجد كلمة في الأدبيّات السياسية، أُهينت وأُسيء استخدامها وشرحها وتفسيرها مثل "العلمانيّة"، حيث أمسكَ بها غالباً جَهَلةٌ، وجعلوها رغم أنفها، عنواناً للإلحاد والفجور والتحلُّل من الأخلاق. أما العارفون فقد خطَّطوا لتكريه الناس بها، وجعلوا منها بعبعاً مناقضاً للدين، فإذا كان الدين عندهم يبني، فهي عندهم تهدم! فلماذا حصل ذلك؟ اضافة اعلان
إنها شهوة السلطة. وشهوة السلطة تلك التي عرفتها الأمصار العربيّة بالتكوّن الاخواني. إذ منذئذٍ بدأت جولات الإخوان المسلمين في الإساءة إلى سمعة العلمانيّة كنظامٍ بشريّ في الحكم، لأنهم كانوا يمهّدون لوصولهم إليه باسم الدين. وهي فكرة جهنميّة لم تعرفها العروبة إلا في مراحل انحطاطها وولوغها في الطغيان (العصر الفاطمي مثالاً).
فهل أنّ العلمانيّة هي الكفر والإلحاد فعلاً؟ وهل أنها تضطهد الأديان وتمسحها من الوجود؟
تشكل دول الحضارة الغربية (بما فيها أستراليا التي لا تقع في الغرب بل في جنوب العالم) حلماً لمعظم مسلمي الكرة الأرضية، وخصوصاً أولئك الذين في بلدان متخلفة اقتصادياً وسياسياً، وترزح تحت بطش الأنظمة. وهؤلاء المسلمون يحاولون حتى قوارب الموت لبلوغ شواطئ أوروبا، لينعموا فيها بالأمان الاقتصادي، وبالحريات جميعها، بما فيها حرية التعبير والعقيدة. وقد حفظت دول الغرب لجميع المهاجرين حقوقهم كمواطنين أصليين، بما في ذلك بناء المساجد لهم، وفتح فصول لتعليم أبنائهم وبناتهم اللغة العربية أو غيرها من لغات المسلمين. فهل لو أنّ العلمانية ضد الدين الإسلامي تسمح بذلك؟
هذا السؤال البسيط وجوابه يكشف الأكاذيب الدعائية التي يحفل بها الخطاب الإخواني والسلفي في تشويه صورة العلمانيّة. فمن نتائج هذا التشويه تصديق الناس الأكذوبة، والمسارعة إلى تصديق الحلم الخادع بأنّ الإسلام هو الحل. حل لماذا؟ للمشاكل الاقتصادية الكبرى؟ لمشكلة الاستبداد الحالي واستحضار نموذج أشدّ تقهقراً وأكثر عتهاً وهو الاستبداد باسم الدين؟ وعلى أيدي من؟ مجموعة من مشايخ أميين وشخوصٍ تعاني من خلل في بنيانها الفكري والأخلاقي، تشتغل عكس جميع قوانين الإنسانيّة (داعش مثالاً)؟
لقد أثبتت جميع الدول التي تزعم أنها تحكم باسم الإسلام، والتي تحقّر الاجتهاد البشري في صنع القوانين، أنها جميعها دونما استثناء، ضد حقوق الإنسان، وضد حقوق المرأة، وضد حقوق الطفل، وضد التقدّم، وضدّ الأخلاق أيضاً. فمحاصرتها للمواطنين والمواطنات بأعراف وتعليمات وقوانين غرائبية، جعلت من هذه البلدان، تجمعات غير إنسانية، فيها أنواع من الانحرافات والاضطهادات والاستبدادات، مما يستحيل أن ترى له مثيلاً في بلدان العلمانيّة، التي مبتدؤها احترام الفرد وحريته وعقيدته وحقوقه، وأن الدولة كلها مسخّرة لهذا الاحترام. صحيح أن ثمة عنصريّة وتعصباً هنا وهناك، ضدك كمسلم أو مسلمة، ولكن القانون يجرّم ويعاقبُ، والدنيا ليست فلتانة كما تتصور/ين! وليس غريباً بطبيعة الحال أن هذه الدول الدينيّة تسرح وتمرح في التخلف والديون وانحطاط الأوضاع للفرد وللدولة (وانتظروا قليلاً حتى يستكمل سوس الاستبداد إيران!).
العلمانيّة تحترم حقَّك في العقيدة والعبادة، على أن لا تعتدي على حقِّ سواك. العلمانية تعلّمك أنك لست وحدك في الكون، وأنك لست أفضل من غيرك. العلمانية تعلمك المساواة واحترام دولة القانون وأن لا فضل لعربيٍّ على عجميٍّ إلا بمقدار التزامه بهذا القانون وتطبيقه. العلمانية انتصار للإنسانيّة إن أنت التزمت وأبدعتَ واجتهدتَ.
دعونا لا نفقد الأمل...