العمل غير المنظم.. كيف نكسب رزقنا؟

ذكر تقرير صحفي الغد (5 تموز 2019) أعدته الزميلة رانيا الصرايرة أن حوالي 45 في المائة من إجمالي القوى العاملة ضمن العمالة غير المنظمة، أي غير مسجلة لدى المؤسسات الحكومية المختصة، ومن ثم غير خاضعة لأنظمة وقوانين العمل والضمان الاجتماعي والتأمين الصحي واجراءات السلامة والضرائب،.. ويغلب على هذه الأعمال أنها غير محمية ولا موثقة، ويجري فيها كثير من التجاوزات، مثل تشغيل الأطفال وتسویق المسروقات، والتهميش الاجتماعي والمهني، ومحدودیة فرص الارتقاء الحرفي والمهني، وغیاب السلامة الصحیة، وضعف الحماية في دفع الأجور، وعدم وجود بدل للعمل الإضافي، والفصل دون سابق انذار وبدون تعويض، والحرمان من الإجازات السنوية والرسمية والمرضية، وعدم تمتع العاملين بهذا القطاع بالحماية الاجتماعية مثل تأمين الشيخوخة والعجز والوفاة والمرض وإصابات العمل. يركز التقرير على أعمال ذات طبيعة يدوية في الورش والمزارع وأعمال المباني، ولكن هناك قطاعا واسعا من العمالة غير المنظمة في مجالات كثيرة، بعضها ذات طابع مهني متقدم، مثل الصحافة والتصميم والبرمجة والمحاسبة والخدمات والسلع المعرفية والتمريض والتسويق والإعلان والعمل من بعد والعمل من خلال شبكة الانترنت والتواصل، والحال أن العمل كما عرض تقرير متخصص وضافي للبنك الدولي يتجه إلى ما بعد الوظيفة. كما أن ثلثي الخدمات والسلع المتداولة اليوم لم تكن موجودة قبل العام 1990، ولا يخلو الأمر بطبيعة الحال من حسنات كثيرة، بل يمكن أن نرتقي بظروف العمل والعاملين حتى بدون وظائف منتظمة، فأن يكون العمل حرا لا يعني أن يكون خارج القوانين والحماية الاجتماعية والصحية، والتنظيم الضريبي، ونحتاج للتفكير بأدوات مؤسسية وتشريعية جديدة ومرنة لتشمل جميع الأعمال والأشخاص. ربما يكون من الأفكار المقترحة أن يجري على نحو شامل وتلقائي إدراج جميع المواطنين في منظومة الضمان الاجتماعي والتأمين الصحي، وأن تدار على نحو مرن ومعقول أنظم لتحصيل الأموال والمخصصات لمؤسسات التأمين الاجتماعي والصحي على نحو يأخذ بالاعتبار الطبيعة المتغيرة للأعمال واحتمالات شح الفرص والموارد، والانقطاع لفترات زمنية عن العمل، فالمجتمعات والأعمال والأسوق تواجه متوالية من الأزمات المعقدة الناتجة عن الركود والتراجع الاقتصادي وتغيرات الأعمال إضافة لما تنشئه عمليات التكنولوجيا في الاستغناء والتبديل في الأعمال والمؤسسات، وهذه حالة عالمية وجذرية، وأهم ما يمكن أن تفعله الحكومات والمجتمعات هو تطوير وتفعيل أنظمة التعليم والصحة والتنشئة الصحية والأسرية لأجل تقليل أثر وتداعيات الأزمة ولتوفير المناعة والقدرة لدى الأفراد على التكيف والاستجابة. ولا بأس بتكرار القول إن كثيرا مما يغمر سوق التدريب اليوم مما يسمى تنمية بشرية وبرمجة لغوية وفراسة ومهارات إبداعية وريادة؛ ويمكن الالتفات بدلا من ذلك إلى ما لدينا من إيجابيات وفرص عملية وحقيقية، فأن يكون لدينا نسبة تعليم عالية يعني إمكانية تطوير المهن والحرف والتعليم المستمر والتعلم الذاتي لاكتساب المهارات والفرص والمناعة الضرورية للاندماج في سوق العمل المتغيرة، وأن تكون نسبة القادرين على العمل تساوي 58 في المائة يعني أن لدينا رأس مال بشريا جيدا بالنسبة لعدد السكان، ومن ثم القدرة على الإنتاج والإعالة. وفي جميع الأحوال، ومهما كانت التحولات عاصفة وغامضة ومعقدة، فإن الاستثمار في رأس المال الإنساني والمعرفي والاجتماعي سوف يبقى سياسة مهمة وملائمة، ولن تندم الحكومات والشركات على هذا الاستثمار.اضافة اعلان