"العنف الإلكتروني".. حينما تصبح "السوشال ميديا" عدوا للمرأة بالمناصب العامة

98
98
منى أبوحمور عمان- رغم الإنجازات الحقيقية التي وصلت إليها المرأة باعتبارها شريكا أساسيا في نهضة الأردن، غير أنها ما تزال تواجه في المناصب القيادية “عنفا سياسيا” يتمثل في حربا إلكترونية موجها ضدها بأحيان كثيرة. أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي سلاحا جديدا يشهره البعض في وجه المرأة بمواقع قيادية وفي مراكز صنع القرار في محاولة للتقليل من شأنها وقدرتها على تولي هذه المناصب وحجم المسؤوليات المناطة بها، ما يجعلها أمام تحد كبير لفئة هدفها فقط التشهير بها والتقليل من شأنها. يغفل كثيرون أن تلك النساء اللواتي يتلقين انتقادات الكترونية حادة تطال في كثير من الأحيان حياتهن الشخصية وسمعتهن وحتى أشكالهن، في محاولة لتقييدهن ودفعهن للانسحاب من أعمالهن، وكأن هذه الأدوار برأيهن خلقت للرجال فقط. اختصاصية علم الاجتماع الدكتورة فاديا الإبراهيمي تشير بدورها إلى تعرض المرأة إلى الكثير من التحديات التي تواجهها في حياتها على مستوى العمل ومراحل تطورها وفي بناء ذاتها. ولعل الابتزاز الإلكتروني بحسب الإبراهيمي، واحد من أكثر القضايا الشائكة التي أصبحت تؤرق المرأة وتضعها أمام منعطف خطير قد يكون سبباً في تراجعها أو إحباطها عن إكمال مسيرة نجاحها في المجتمع. وفي الآونة الأخيرة حاولت مواقع التواصل الاجتماعي بحسب الإبراهيمي إضعاف دور المرأة وتحجيم أهميتها في العديد من القضايا، وحصرها في إطار النظرة الضيقة التي تكرس وظيفتها في أطر مادية بحتة لا تخرج عن نمط الشكل والصورة وربما عرضها كمادة إعلانية دسمة والتغاضي عن مضمونها او المحتوى الذي تدأب إلى طرحه. وتقول الإبراهيمي، “لم يقتصر الأمر على ذلك بل تعدى الى إطلاق أساليب مختلفة من التنمر تتضمن انتقادات حادة لها لرفضها لبعض القوانين التي تستهدف استقلاليتها أو تلك التي تشكل عقبة في نيل حقوقها. ووفق الإبراهيمي تتعرض المرأة لأصوات تنتقد مشاركتها في العمل السياسي أو تمثيلها الدبلوماسي، سواء بالسخرية والنقد اللاذع. وعن السيدات العاملات في المناصب السياسية، وفيما إذا كن يواجهن تنمرا أكثر من الرجال على مواقع التواصل الاجتماعي، فقد أشارت دراسة “راصد”، إلى أن 35.1 % من النساء أيدن ذلك بدرجة كبيرة، مقابل 26.8 % رأين أن ذلك صحيح بشكل ملموس، فيما رأت 17.3 % أن ذلك ليس مرتبطا بالجنس بل بالأداء ورأت 9.9 % منهن أن الرجال والسيدات يواجهون المستوى ذاته من التنمر. تصاعد مستويات التنمر في أي بلد يدل على تصاعد مستوى التعصب والتطرف تجاه النوع الاجتماعي، وعدم التعاطي مع مراحل التغيير والتطور التي حققتها المرأة في مسيرة نضالها لنيل حقوقها على مستوى المنطقة العربية والشرق الأوسط وفق الإبراهيمي. هل تعتبر مواقع التواصل الاجتماعي ملاذا للنساء المعنفات؟ إلى ذلك، فإن صور الابتزاز الإلكتروني بحسب الإبراهيمي تصل ذروتها في تشويه السمعة أو التهديد باقتحام حياة المرأة الشخصية، ونشر محتواها الشخصي من صور ومواد فلمية وتعريضها للعنف ووضعها تحت مقصلة النقد والحكم المطلق. وتطالب الإبراهيمي الجهات المعنية بوضع حد للسلوكيات الدخيلة التي تستهدف المرأة وتؤثر سلباً على مسيرة تقدمها ونجاحها من خلال تفعيل القوانين الرادعة ووسائل حمايتها من الابتزاز، والإستهداف وتوفير سبل أمنة لها لتقوية دورها في المجتمع. المحامية والمدير التنفيذي للشبكة القانونية للنساء العربيات سماح مرمش، تؤكد أن الحرب الإلكترونية التي تتعرض لها النساء اللواتي يصلن إلى المواقع القيادية واضحة، تحديدا حينما يطال هذا الأمر الحالة الاجتماعية للمرأة لمحاولة كسرها، وهو أمر معيق جدا لها في مسيرتها المهنية. وتلفت إلى أن النساء في المواقع القيادية ليس لديهن ذات القوة في التعامل مع التنمر الإلكتروني، فمنهن من يواجهن ذلك بقوة ويتمكن من تجاوزه، في حين تتأثر أخريات اجتماعيا ونفسيا ومهنيا وفي كثير من الأحيان يتنازلن عن الموقع. وتعزو مرمش هذه الحرب الإلكترونية إلى عدم تقبل المجتمع للدور الحقيقي للمرأة، فالمعتقدات ما تزال نمطية وإعطاء المناصب للنساء في بعض الأحيان يكون لتحسين الصورة الدولية والعالم الخارجي وليس إيمانا بأهمية دورهن ووجودهن في مراكز صنع القرار. وتجد مرمش أن التمكين السياسي للمرأة نقطة محورية لدخول المناصب القيادية، كذلك التمكين المجتمعي للمرأة من قبل عائلتها والإيمان بدورها المؤثر والكبير ما يساعدها على مواجهة التنمر الإلكتروني ويمنحها المؤازرة النفسية. وأظهرت دراسة أجراها مركز الحياة “راصد”، أن 87.2 % من الناشطات السياسيات يعتقدن بـ”وجوب إقرار وثيقة أخلاقية تحكم عمل مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، وأن 60.4 % منهن شعرن بالايذاء من التنمر الالكتروني، مقابل 42 % منهن تعرضن للتنمر الالكتروني خلال فترات استخدامهن لتلك الوسائل”. رئيسة اللجنة الوطنية لشؤون المرأة سلمى النمس تلفت بدورها إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي فتحت المجال أمام فكرة الهجوم والتنمر والانتقاد على النساء والرجال في المناصب القيادية، غير أن المشكلة الحقيقية عندما يصبح الانتقاد تنمرا واضحا على النساء دون غيرهن. وتشير النمس إلى أن مفهوم وجود النساء في الفضاء العام ما يزال مرفوضا، وهناك من يرى أن المنصب الذي ينظر إليه كولاية عامة مقتصر في الأساس على الرجال، ما يزيد من فرص التنمر على المرأة في المواقع القيادية. من جهة أخرى ترى النمس هذا النوع من العنف الموجه للمرأة القيادية محاولة لدفع النساء الخروج من الفضاء العام لتعود إلى الفضاء الخاص، لافتة إلى أن ما تمنحه مواقع التواصل الاجتماعي من تجاهل للشخصيات المتنمرة يساعدهم على استسهال الأمر والاستمرار به. وكشفت دراسة أجراها مركز الحياة “راصد” بالشراكة مع لجنة المرأة النيابية وبدعم من السفارة الكندية في عمّان، عن “اعتقاد 73.8 % من الاناث أنهن أكثر عرضة للتنمر الالكتروني، فيما أجابت 54.7 % منهن أن الذكور هم من يقومون بالتنمر مقابل 17.6 % هن من الإناث و27.6 % قلن إنهن لا يعلمن من يقوم بالتنمر. وهناك نوع آخر من التنمر على المرأة في الفضاء العام بحسب النمس، وذلك حينما يطال سمعتها أو التعليق على شكلها وطريقة لباسها، كلها أساليب لا تؤثر عليها فحسب، وإنما على صورتها أمام أسرتها، وبالتالي يجدون هذه الطريقة هي التي تدفع بها خارج الفضاء العام لتعود إلى الفضاء الخاص. وترى النمس أن تمكين المرأة من الوصول إلى المناصب القيادية من دون تمكينها بالنواحي الأخرى، أمر يعيق مسيرتها، مؤشرة على الصورة النمطية التي تعتقد أن الرجل يولد قياديا، في حين أن المرأة يجب أن تعمل أضعاف عمل الرجل وأضعاف إنتاجه لتعتبر أنها كفاءة وتستحق الموقع الذي تتقلده. وفيما يتعلق بالمنظومة السائدة التي يحكم من خلالها على السيدات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فقد تصدرت نظرة المجتمع للدور النمطي للسيدات ذلك بواقع 40.7 % تليها منظومة العادات والتقاليد بواقع 35.6 % تليها منظومة الأخلاق العامة بواقع 15.8 %، تليها منظومة الدين بواقع 7.9 %، بحسب دراسة أجراها مركز الحياة “راصد”. وتأسف النمس بأن كل خطأ يحتسب على المرأة في الموقع العام يتم تعميمه بعد ذلك على صورة النساء، فيما يهاجم الرجل على خطأه بشخصه وكفرد وليس ممثلا للرجال جميعا. وفيما يخص الأثر الذي يلقيه العنف السياسي الموجه ضد النساء في الفضاء العام والذي يعتبر العنف الإلكتروني واحد منه، يتطلب من المرأة ثقة بالنفس وبناء المهارات والقدرة على التعامل حتى تتمكن من مواجهة هذه الحرب الالكترونية النفسية رغم تبعاتها وآثارها. والمطلوب من النساء أيضا، تطوير مهاراتهن في التعامل مع المنصات الإلكترونية لإغلاق الباب أمام من يريد تشويه سمعتهن وأن يلجأن للقانون وأن تكون شبكاتهن الاجتماعية محمية ومبنية على علاقات إيجابية وداعمة لهن ليس فقط على الصعيد العائلي وإنما أيضا النفسي. وتنصح النمس المرأة بأن تحيط نفسها بمجموعة من العلاقات والنساء الداعمات، وأن تقف الجهات الإعلامية والمؤسسات النسوية بجانبها لمساندتها ودعمها على الاستمرار مهما كانت الحرب الإلكترونية التي تتعرض لها شرسة وقوية.اضافة اعلان