العنف الطلابي: الرواية من الداخل

خلال الأسابيع والشهور الماضية انشغلنا في البحث عن أسباب مقنعة تفسر ظاهرة العنف الطلابي في الجامعات الأردنية، وحتى لا تمر هذه الظاهرة كموسم عابر للانشغال الإعلامي، أصر الشباب في الجامعات على تأكيد الحضور القوي لهذه الظاهرة، وبات لدينا في كل أسبوعين بمعدل قصة جديدة تخجل إنجازات التعليم العالي وتاريخه.

اضافة اعلان

وعلى الرغم من التنميط الذي يصيب المرء بالصداع عند الحديث حول هذه الظاهرة، فإننا لم نتوقف جديا عند الجذور الحقيقة التي تقف خلفها والمرتبطة بكل بساطة بنوعية التعليم الجامعي، وما ناله خلال عقد مضى من تراجع وإسفاف جعل من طلبة الجامعات كائنات هلامية تعاني من أوقات فراغ هائلة؛ طلبة لا توجد قضية حقيقية لديهم، ولا يوجد لديهم انشغال بالحد الادنى على نيل المعرفة، ما حوّل الجامعات الى ساحات لتفريغ وتوليد تناقضات يمكن ان يحمل عليها أي شيء وحسب الطلب.

لم تتغير التركيبة الاجتماعية للمجتمع الأردني منذ عقد، ولم نستورد خلال هذه الفترة عصبيات عشائرية جديدة، ولم يخضع المجتمع لعمليات تغير اجتماعي وثقافي قاس أو مفاجئ، ولم تتغير النظرة الاجتماعية في السياق العام للعلاقات بين الجنسين؛ حيث تبدو الأسباب المباشرة عادة معركة حول فتاة، الذي تغير بالفعل نوعية التعليم الجامعي الذي انحدر خلال عقد مضى بشكل واضح، وغاب مع ذلك مفهوم الحياة الجامعة وممارستها على ارض الواقع، بما تعنيه من حياة تفاعلية ومختبر مصغر لاكتشاف الحياة العامة حيث لا منابر للتعبير ولا أطر مؤسسية طلابية تربط الطلبة بقضايا حقيقية وتشغلهم.

ثمة خواء عام يسود الجامعات، تقوده إدارات مفلسة تدير مؤسسات أكاديمية بذهنية أمنية بدائية، وتراجع كبير في أداء ونوعية الهيئات التدريسية، بينما تسود الجامعات ثقافة احتفالية فارغة من القيمة والمضمون، ولا تؤسس لشيء في الحياة الجامعية، ومع ازدياد الخواء المعرفي، وعدم وجود شغل حقيقي للطلبة على التعليم والمعرفة انعكس ذلك في التكوين الوجداني لهم.

تتنافس الجامعات الأردنية الحكومية في قبول اكبر من طاقاتها الاستيعابية وقد يصل الأمر إلى الضعف في بعض الجامعات؛ رضوخاً للضغوط الاجتماعية التي تأخذ أحياناً شكل المطالب السياسية، ورغبة في توفير موارد جديدة تحت ذريعة تخفيف الضائقـة المالية التي تعاني منها معظم الجامعات بسبب سوء الإدارة التي تنفق على الضيافة أكثر من البحث العلمي، يتم هذا على حساب نوعية التعليم العالي ومخرجاته التي هي بالتالي مدخلات التنمية، في الوقت الذي يتضخم فيه التنظير حول جودة التعليم داخل أروقة الجامعات وتنشئ لهذه الغاية الدوائر والمراكز التي تنشغل بإعداد الخطط والبرامج، وتصدم مع بداية كل عام دراسي بسياسيات القبول التي تنعكس على مختلف فعاليات الجامعة ومدخلاتها الأكاديمية.

هنالك تضخم هائل في الكليات الإنسانية والاجتماعية بأعداد كبيرة من الطلبة غير المؤهلين للقبول في الجامعات في الأصل، ما اثر سلباً وعبر أجيال من الخريجين على نوعية الموارد البشرية في هذه المجالات المعنية في نهاية الأمر بتكوين ملامح الحياة العامة، مقابل ضمور واضح في الكليات العلمية وتخصصات التطبيقات التكنولوجية، هناك تخصصات وبرامج تنشأ في بعض الجامعات التي لا يوجد فيها أساتذة متخصصون بها اللهم رغبـة في فتح نافذة لزيادة أعداد المقبولين، ثمة تزايد واضح في أعداد الطلبة لكل عضو هيئة تدريس ما ينسحب على أعداد الطلبـة في كل قاعـة صفية، وتضخم غير معقول للعبء الدراسي لعضو هيئـة التدريس جعله يفقد الحاسة الأكاديمية للتدريس الجامعي، كما أبعده عن مهام أخرى لا تقل أهمية عن التعليم وعلى رأسها البحث العلمي والتطوير.

الرواية من داخل أسوار الجامعات توضح ملامح المشهد على حقيقته، زيادة كبيرة في أعداد الطلبة ضمن سياسات قبول يقال عنها كل شيء، وتراجع مخجل في نوعية الهيئات التدريسية وفي أدائها، وإدارات جامعية خارج العصر، ما جعل الجامعات ساحات لقضاء اكبر وقت للفراغ لدى شباب جعلهم الحرمان من المنابر والوعي بلا قضية، صدقوا أن المسألة لا علاقة لها لا بتكوين اجتماعي، ولا بعصبيات عشائرية، ولا بالصبية التي يظلمونها في كل مرة.

basimtwissi@ hotmail.com