العنف والطفل.. مظاهر سلبية فرديا وأمميا

  الغد - يعد "العنف" من المظاهر السلبية على المستوى الفردي والأممي. فقد عرف الرومان بحرصهم على تنشئة أطفالها على العنف، واعتبار قيم العنف والعدوان هي السائدة، حتى أن من ينجز مهام الحروب ويؤهل لاقتحامها يعد طبقة ذات مكانة عليا بالمجتمع.

اضافة اعلان

بينما يدعو الإسلام إلى قيم السلام وتنشئة الصغار على نبذ العدوان مع الاستعداد لصده ورد أي عدوان خارجي. وكم من الآيات الكريمات والأحاديث الشريفة التي تحث على نبذ العدوان، مع تعليم الصغار مهارات ركوب الخيل والسباحة وغيرها من الرياضات التي من شأنها تنشئة جيل صحيح البدن والنفس.

وبحسب موقع ميديل إيست أون لاين، فقد نشر مؤخرا عدد القضايا التي من أطرافها الطفل وهي المعروضة للبت فيها بالمحاكم.. فاتضح أنها من الكثرة بحيث لا يمكن تجوزها بما يلزم التوقف حولها.

   بداية تبين لأن الطفل مشتركا في كافة صنوف القضايا، من قضايا الأحوال الشخصية الى قضايا الجنايات التي تتعلق بالطفل (حتى 18 سنة)، سواء كان الجاني طفلا أو المجني عليه. وهو ما يعرض صورة من صور العنف التي قد يتعرض لها الطفل، وهى أقصى وأقسى الصور السيئة، سواء كان الطفل مجرما في نظر القانون أو مجنيا عليه وضحية.

الأمر الذي يحث الجميع في الوطن العربي إلى إعادة النظر فورا لحماية الطفل، على الرغم من كل الجهد المبذول على المستوى الرسمي في أغلب الدول العربية. يبدو أن القضية في حاجة إلى توعية خاصة للكبار والصغار معا، مع توفير المناخ الصحي النفسي الملائم.

بداية يجب البحث عن ملابساته وأحواله، ودلالاته التي قد تعني ضرورة البحث عن الحلول المناسبة لمنع العنف الاجتماعي أو ترسيخ مفهوم الأمن الاجتماعي عمليا.. فالأسرة هي البيئة الأولى والتربة الخصبة التي تضم وتحمى الصغار.. ثم المدرسة وأماكن التجمعات مثل النوادي.. ثم وسائل الإعلام المختلفة التي قد تبث ظواهر العنف الاجتماعي عن غير عمد.

تشير نوعيات تلك القضايا الى جانب يتعلق بالأفراد.. من حيث الأسباب والدوافع، مثل تزكية العنف داخل الأسرة برؤية عنف الأب مع الأم وربما مع الآخرين. أو إهمال الوالدين لمظاهر العنف التي قد تبدو في سلوك الطفل مع الحيوانات الأليفة أو حتى مع الإخوة، وتتركه بلا تهذيب وإرشاد.

لقد تلاحظ في جملة القضايا ما يشير الى وجود بعض الجرائم الجديدة، ولنقل أنها من الندرة بحيث لا يمكن التوقف أمامها. لكن يفضل ألا نتجاهلها، مثل الابن الذي يقتل أحد والديه..لكونها ضد الفطرة فضلا عن كونها ضد القيم الدينية، هو ما يجعلها مثيرة للتساؤل والبحث معا. كما يعد تدليل الطفل والإفراط في تحقيق رغباته غير التقليدية، وبإلحاح حتى يخيل إليه أنه حق مكتسب وواجب على الوالدين، تحقيق أي رغبة كانت.. ربما من أكثر الأسباب شيوعا في أسباب الانحراف السلوكي للطفل.

وقد يبرر الوالدان هذا التدليل المفرط بأسباب تبدو غير مقنعة موضوعيا، إلا أنها متعلقة بهما حتى يصبح الرأي الحق أن يعرضا على الطبيب النفسي للاستشفاء منها قبل عرض الصغير. فقد يعتبر الوالدان الطفل الوحيد، أو الولد الوحيد على الرغم من وجود أبناء (إناث) مبررا للتدليل المفرط!

والبعض الآخر ينتابه القلق المرضى وبالتالي تدليل الطفل، خوفا عليه من أخطار الطريق، أخطار الأماكن المختلفة، أخطار رفاق السوء، كل أخطار العالم أو حتى غير الخطير منها.

وهناك تلك القضايا المتعلقة بنشأة الأفراد.. حيث المفاهيم السلبية تؤثر على الأفراد وربما الجماعات لنهاية العمر. مثل مفهوم "الثأر"، وكم من القضايا ترتكب تحت هذا المفهوم..على الرغم من ارتفاع معدلات التعليم، وانخفاض معدلات الأمية، إلا أن الموضوعات العرقية المتوارثة تبدو أحيانا أكبر تأثيرا من التعليم، نظرا لسطوة المجتمع!

أما وقد تلاحظ اختفاء المحاكم العرفية أو الشعبية، وقد أصبحت أقل انتشارا عن ذي قبل، فهي من الأسباب غير المباشرة في زيادة أعداد الجريمة، حيث أن مثل تلك المحاكم الشعبية قد يلجأ إليها الجميع مع أي بادرة بسيطة وقبل استفحال أي صورة من صور الجريمة الكبيرة.

ولن نغفل تلك الأسباب الارتباطية، التي تعد من عوامل انتشار الجريمة.. مثل نقص القدوة، مع احتقار "النموذج" في الحياة اليومية.. كما أن تناول المخدرات في بعض فئات تلك السن الحرجة من الأسباب أيضا، حيث تجعل الشباب يفتقر إلى جادة الطريق.. ولا يمكن أن ننسى تركيب الأسرة الأبوي، حيث الهيمنة والاعتمادية بالتالي عند الشباب، وهو ما يجعل من حلول المشاكل أمرا جانبيا، مع ممارسة العنف كمدخل للبحث عن الحلول.

لقد رافق العقود الأخيرة تغييرات في المفاهيم الاجتماعية، بل وفى البنية الاجتماعية. وهو ما يجب رصده والتوقف أمامه. فهذا الفرد وتلك الجماعة يحركهم جميعا مجموعة من القيم والمفاهيم!. إن شيوع التفاخر بواجهة اجتماعية كاذبة، استتبع بالبحث عن تملك وسائل تبرر ذلك مما يوقع الجميع في ورطة البحث عن المزيد من المال لتحقيق مكانة اجتماعية ما، خصوصا بعد أن لعبت وسائل الإعلام دورها في تصوير حياة الناس في "الدراما" وكأنها لا تسير إلا بتوفر الفيلات والسيارات الفارهة وغيرها. وان توقف الكبار أمامها للتفكير لحظة، فالصبية والصبايا لا يتوقفون البتة للنقد، وإنما سيعتبرونها من الأمور العادية بل والواجب توافرها من الآباء والأمهات والمجتمع كله..والا!

ولا حيلة عند الجميع الآن إلا المكاشفة لتلافي ما يمكن تجاوزه، من أجل المجتمع الأقل عنفا، ومن أجل الأجيال القادمة لتعيش أكثر استقرارا.