العودة لأساس الأزمة

يوم العمال العالمي هو مناسبة للتوقف عند الاختلالات الهيكلية الأساسية في سوق العمل الأردنية، والتي تولّد وتتشابك مع مركب من الاختلالات والأزمات الاقتصادية والاجتماعية، ويمكن من خلال تفكيكها والاشتباك معها التأسيس لحلول حقيقية للواقع الاقتصادي الاجتماعي الصعب والخطير في الأردن.اضافة اعلان
عنوان الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في المملكة هو شح الموارد وتراجع الانتاج بمختلف القطاعات في ظل أزمات سياسية واقليمية ضاغطة، اضافة الى ارتفاع مستويات العجز في الموازنة العامة واللجوء الى اجراءات مالية واقتصادية قاسية توسع من شرائح الفقر وتعمق حدته، وتزيد من البطالة وتضرب قدرة القطاع الخاص على التنافس، بل وقدرته على البقاء، والإطاحة بالنمو الاقتصادي.
وإذا تحدثنا عن أزمة العجز المزمنة في الموازنة العامة، والتي تجر سلسلة الأزمات الأخرى، فاننا نتحدث أساسا عن التشوهات الهيكلية لسوق العمل، وارتفاع نسبة العاملين في القطاع العام بما لا يقارن بالمعدلات العالمية، وذلك جراء سياسات قاصرة وعرجاء للحكومات المتعاقبة، دفعت إلى تضخم الجهاز الحكومي والعام وتحميله حمولات زائدة، تثقل كاهله وكاهل الموازنة العامة، ويتبين ذلك من ارتفاع فاتورة رواتب موظفي الدولة في موازنة العام الحالي الى 4 مليارات دينار من اصل سبعة مليارات هي الحجم الكلي للموازنة!
ويقدر عدد العاملين بالجهاز الحكومي بنحو 210 آلاف موظف وموظفة، فيما تقدر أعداد العاملين بالبلديات بنحو 50 ألفا والجامعات الحكومية 45 الفا، اضافة الى العاملين في القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، بينما يعمل في القطاع الخاص نحو مليون شخص، فيما قدرت نسبة البطالة العام الماضي بـ15.6 بحسب تقديرات غير رسمية.
بعيدا عن الحسابات المعقدة للاقتصاديين، فإن حجم فاتورة الرواتب الكبيرة في الموازنة العامة، للدولة، وايضا لفاتورتي الرواتب في الجامعات والبلديات، هو المدخل الرئيسي للتشوهات الهيكلية في الاقتصاد الاردني، حيث الترهل الاداري وضعف الخدمات العامة من جهة، وارتفاع العجز المالي على حساب المشاريع الرأسمالية والمشغلة للايدي العاملة من جهة ثانية، اضافة الى الاضطرار الى رفع وتوسيع دائرة الضرائب والرسوم على مختلف القطاعات الاقتصادية والمواطنين، لتأمين فاتورة الرواتب، بما ينعكس سلبا على النمو الاقتصادي.
معالجة الاختلالات الهيكلية في سوق العمل الاردنية تستدعي خططا استراتيجية حقيقية، تتوفر لها ارادة سياسية صلبة، للتركيز على التشغيل والتطوير في القطاع الخاص والعمل فيه، بحيث يصبح جاذبا للعمالة الاردنية، ووقف التضخم المدمر لاعداد موظفي القطاع العام، الذي يستنزف الموازنة العامة ويحد من القدرة على تحريك الاقتصاد وتحفيزه.
سوق العمل بالقطاع الخاص الاردني تواجه من جانبها تحديات ومشاكل معقدة وصعبة، تدفع بالعديد من المؤسسات والشركات الى الخروج من السوق والتعثر او التقليص من عملها وكوادرها، وذلك جراء عدم قدرة هذه المؤسسات والشركات على مجاراة ارتفاع تكاليف الانتاج مع الارتفاع المطرد لسلة الضرائب والرسوم، واغلاق الاسواق الخارجية وغيرها من تعقيدات.
مطلوب خطة وطنية متكاملة وجدية، وبرنامج زمني واضح، لمعالجة الاختلالات الهيكلية للاقتصاد ولسوق العمل، تحسن من قدرة المؤسسات الخاصة على البقاء والتطور والمنافسة في الانتاج من جهة، وايضا تحفز على استقطاب العمالة والشباب للعمل بهذا القطاع، وتحسين بيئة عمله وسلم الرواتب فيه.
ليس أمامنا في الأردن إلا الاعتماد على الذات اقتصاديا، والذهاب مباشرة الى تشجيع وتحفيز القطاع الخاص، وخفض حجم الضرائب والرسوم والأعباء التشغيلية عليه، ضمن رؤية وطنية اجتماعية واضحة، ليستطيع قيادة النمو الاقتصادي وتشغيل الأيدي العاملة وبما يعالج الاختلالات والتشوهات العميقة في الاقتصاد وسوق العمل الأردنيَيْن.