أفكار ومواقف

العودة للكتابة وحدود التفاؤل

موفق ملكاوي

منذ أشهر طويلة، توقفت عن كتابة المقالات.

ولعل التعبير الأكثر دقة هو أنني كفرت بكل ما قد تحدثه كتابة المقالات الصحفية من تأثير أو تصويب.

فالمقالات مستمرة بالظهور يوميا منذ عقود، بينما الخراب يزداد استشراسا في جميع مناحي الحياة.

على مدار الأشهر الماضية، تابعت، مرغما، مقالات مهمة لم يلتفت إليها أحد على ما يبدو.

وتابعت مقالات لتعبئة الفراغات في وسائل الإعلام المختلفة.

وأيضا، تابعت نوعا ثالثا يمكن أن يطلق عليه «نوع تسديد الفواتير»، أو مما نسميه الفزعة أو التسحيج أو المؤازرة.

اليوم، تبدو جميع تلك الكتابات بلا فائدة.

في كل تلك المقالات التي جاءت للتعليق على أحداث ما، أو لاتخاذ موقف منها، ظل هناك سؤال معلق في البال باستمرار، وهو: لماذا تأخذ منا الحقيقة كل هذا الجهد؟ لماذا يكون مسارها طويلا بهذا الشكل، وعصيا على الاختصار بكلمات قليلة وواضحة؟!

يحضرني مثال قريب جدا، وهو مصنع الجميد المصري الذي يستخدم طلاء الجدران في منتجاته، والذي انبرت المؤسسة العامة للغذاء والدواء لتؤكد أننا لم نستورد قطعة واحدة منه، في الوقت الذي تقول وزارة الزراعة إن الأردن استورد نحو 1000 طن جميد من مصر خلال العام الماضي، وسوف نبقى على جهل تام في ما إذا أكلنا مناسفنا بنكهة طلاء الجدران أم لا، فالقضية تم إغلاقها عند هذه الحدود.

قبلها، كانت مسؤولة سابقة بمؤسسة الغذاء والدواء تثير ضجة كبيرة بتشكيكها بسلامة غذاء الأردنيين.

لكن القضية لم تتجاوز حدود الضجة، فسرعان ما نسينا المسألة برمتها، وتابعنا حياتنا وكأن شيئا لم يكن!

«خرفان جورحيا» التي تم وأدها، ماذا كانت حقيقتها، وهل تعرضت حقا لمؤامرة، أم أن مدعيا آخر تاجر بأحلام الأردنيين، وأراد أن يحقق بعض الشهرة والشعبية؟ ما هي الحقيقة التي لم نعرفها حتى اللحظة؟

سدودنا التي جف ماؤها بلا سابق إنذار، كيف حدث ذلك، ولماذا؟ هل سيتصدى أحدهم ليزودنا بالإجابة الغائبة؟

قضايا كثيرة تثار وتنتهي، ولا نعرف كيف.

كما لا نعرف نصيبها من الصحة والحقيقة، إذ سرعان ما تنقطع الخيوط إليها، ثم لا تلبث أن يطويها النسيان والتقادم، لتظهر قضية أخرى ننخرط في أتونها لتنتهي هي الأخرى مسلمة الدفة لغيرها من القضايا التي لا تنتهي.

المشكلة الأكبر، أننا اعتبرنا أن لدينا خطا أماميا للمواجهة، أسميناه، جزافا، مجلس نواب!! فهل كان كذلك.

في كل تلك القضايا المهمة، وغيرها الكثير، لم يكن مجلس النواب بقدر طموح الأردنيين الذين أرادوه مجلسا رقابيا حقيقيا، يدافع عن أولوياتهم، ويحاسب كل من تسوّل له نفسه العبث بأرزاقهم ومصائرهم.

للأسف، فقد تبدى مجلس النواب، وفي أكثر من مناسبة، ضعيفا وهزيلا، وتعبث بأعضائه الأهواء الشخصية، فلم يستطع أن يكون على قدر المسؤولية الملقاة على عاتقه، وهو بذلك لم يخرج عن مسار غيره من المجالس السابقة التي أشبعتنا ضجيجا وصراخا.

وقد رأينا هذا المجلس مؤخرا وهو يتصدى لمناقشة أهم القوانين التي يعول عليها لتطوير الحياة السياسية لدينا، كيف أنه لم يستطع تقدير أهمية اللحظة التاريخية، وانحرف عن مسار النقاشات، لتتحول الجلسة إلى أشبه ما يكون بـ»حفل البهلوانات».

هل نستسلم لليأس والقنوط في وسط مشهد كهذا؟

بالتأكيد لا، فنحن ما نزال نؤمن بأن ثمة مخلصين يضعون البلد فوق كل اعتبار، ويتوقون للعمل من أجل المصلحة العامة، ومن أجل الناس الذين ما يزالون يهتفون: «بلادي وإن جارت علي عزيزة.».

المقال السابق للكاتب

هدى.. الجهد والثقافة والتواضع

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock