العين والقراءة

عند القارئ المتمرس فإن وحدات التركيز تتجمع في منتصف سطر الطباعة - (أرشيفية)
عند القارئ المتمرس فإن وحدات التركيز تتجمع في منتصف سطر الطباعة - (أرشيفية)

عمان- تنساب عين القارئ فوق الكلمات بسهولة، وإذا لم يحصل هذا فإنها لن ترى شيئا؛ لأن العين يمكن أن ترى الأشياء بشكل واضح عندما تستطيع أن تتوقف عليها وتأخذ صورة واضحة منها وتكون هذه الصورة في القراءة، فهي عبارة عن وحدة التركيز.اضافة اعلان
لذا إذا بقي جسم ثابت، فإن العين يجب أن تبقى ثابتة لتتمكن من مشاهدته وإذا تحرك فإن العين يجب أن تتحرك خلفه لكي تشاهده.
عندما يقرأ الإنسان سطراً فإن عينيه تتحركان في سلسة من القفزات السريعة تتخللها وقفات وعلى فترات محددة، إن هذه القفزات سريعة جدا؛ إذ لا يمكن ملاحظتها، لكن تقدر سرعة القفزات بين وحدات التركيز من ربع ثانية إلى ثانية ونصف وفي أبطأ سرعة قراءة يصل معدل قراءة الشخص إلى أقل من 100 كلمة في الدقيقة، وهكذا فإن العين تأخذ جرعات قصيرة من المعلومات في نقاط التوقف فهي لا ترى شيئا في الحقيقة بل فقط تنتقل من نقطة إلى أخرى ونحن لا نلاحظ هذه القفزات لأن المعلومات المتكاملة والمتتابعة المحمولة إلى الدماغ مستقاة من وحدات التركيز الواحدة تلو الأخرى، ولذا فإنه لا يمكننا أن نحقق مسحاً سلساً للكلمات بدون التوقف بينها مع المحافظة على قراءة سليمة.
إن العين نادرا ما تتوقف لأكثر من نصف ثانية حتى عندما تشعر أن العين ثابتة بالكامل؛ فمثلا عندما تنظر بثبات على نقطة ثابتة، فإن العين في الحقيقة تقوم بعدد من الحركات الصغيرة حول النقطة؛ حيث تتحرك العين بهذه الطريقة صانعة وحدات تركيز جديدة لها، وسيؤدي ذلك إلى أن تبهت الصورة بسرعة وتختفي.
وتأخذ العين غير المدربة حوالي ربع ثانية في كل نقطة تركيز، لذا فهي محددة بحوالي أربع نقاط تركيز في الثانية، مما يعنى أن القارئ المتوسط الذي يأخذ من كلمة إلى كلمتين في وحدة التركيز الواحدة ولكي يقرأ سطرا على هذه الصفحة، فإنها ستأخذ منه بين ثلاث وست وحدات تركيز.
ومما لا شك فيه أيضا أن مدة الوقفات وعدد الكلمات التي يتم أخذها في كل وحدة تركيز تتفاوت إلى حد كبير فيما بينها نظرا لاختلاف المادة المقروءة والشخص القارئ ورغم أن أكثر الإدراكات البصرية التي تدرك بعيدا عن مركز ما تزال ممكنة الرؤية لكن بوضوح أقل، هذه الرؤية تسمى الرؤية المحيطية (peripheral vision)، وهي تؤدي وظيفة ربما تعد الأثمن أثناء القراءة؛ حيث إن الكلمات التي تأتي بعد وحدة التركيز الحالية (التي تقوم العين بقراءتها) مباشرة تكون قد استلمت بشكل جزئي من خلال العين وأرسلت للدماغ وأن احتمالية حدوث هذا الأمر كبيرة؛ لأن الكلمات يمكن أن تدرك وهي في مجال الرؤية المحيطية في الوقت نفسه الذي تكون فيه الأحرف الفردية مشوشة جدا ولا يمكن التعرف عليها.
وعلى هذا الأساس، فإن الرؤية المشوشة أو غير الواضحة بعض الشيء لما هو آت تخبر الدماغ أين المكان الآتي لسقوط العين في الحركة القادمة وأين المكان المناسب للتوقف، وهكذا فإن العين لا تتحرك في سلسلة منتظمة من القفزات بشكل متساو، لكنها تقفز عن الكلمات المطولة وتركز على الكلمات الأهم في النص (الفريدة والمميزة).
ويعتمد مدى الذاكرة الفوري على عدد الجرعات بدلاً من محتوى المعلومات المتوفر؛ حيث إننا عندما نقرأ نستطيع أن نأخذ حوالي خمس جرعات في وقت واحد، والجرعة الواحدة قد تكون حرفا مقطعا أو كلمة أو حتى عبارة صغيرة، وكلما كانت الجرعة أكبر كان الفهم أسهل.
وعند القارئ المتمرس، فإن وحدات التركيز تتجمع في منتصف سطر الطباعة، فعندما تذهب العين إلى سطر جديد، فإنها عادة لا تذهب إلى بداية السطر، بل بدلا من ذلك تبدأ بعد كلمة أو كلمتين من الحافة، أما بالنسبة للدماغ فإنه يكون قد كوّن فكرة جيدة عن الكلمات التي ستأتي من الخبرة التي اكتسبها خلال الأسطر السابقة وهو بحاجة فقط لاستشارة الرؤية الخارجية (peripheral vision) للتأكد من أن الكلمات الأولى هي فعلا كما توقعها أم لا وبالطريقة نفسها تعمل العين والدماغ معا بهذا التناغم في نهاية السطر.
القارئ البطيء الذي يتوقف عند كل كلمة ومن ثم يقفز للكلمة التالية سيقوم بقراءة الكلمة نفسها مرتين إلى ثلاث مرات، فهو لن يكون قادرا على فهم معظم ما يقرأ، وعند نهاية الفقرة فإن المفهوم يكون قد ضاع بسبب طول الوقت والتكرار الممل منذ بداية قراءة الفقرة.
أثناء عملية إعادة القراءة، فإن قدراته على التذكر تكون قد ضعفت ويكون قد باء بلا شك في قدراته على التذكر مطلقا، إن تأثير القراءة الإلكترونية على العين ساعد على نشوء بعض أمراض العين التي سببها التقدم التكنولوجي الهائل في الكتب الإلكترونية وقراءتها من جفاف للعين؛ حيث إن للقراءة التقلدية متعة وتركيزا لا تحققها القراءة الإلكترونية وراحة للعين في الانتقال بين الأسطر والكلمات، وبشكل عام فإن ضوء النهار يعد من الإضاءة غير المباشرة الممتازة لبيئة القراءة والعمل، أما في حالة استعمال الإضاءة الصناعية ليلاً، فيفضل أن تأتي من خلف أو يسار القارئ، وأن لا تكون مبهرة أو ضعيفة.

الدكتور إياد الرياحي
استشاري طب وجراحة العيون/ المدير الطبي لمركز العيون الدولي
www.eiadeyeclinic.com