الغرب.. حضارة أم همجية؟

معتقلون جزائريون في حرب استقلال الجزائر عن فرنسا - (أرشيفية)
معتقلون جزائريون في حرب استقلال الجزائر عن فرنسا - (أرشيفية)

  ترجمة: مدني قصري

سيلفي برونيل* – (لوموند) 9/2/2012
على مدى خمسة قرون كاملة -ابتداء من العام 1450، الذي فتح عصر "الاكتشافات الكبرى"، وهو المصطلح المثير للجدل إلى حد كبير، وإلى العام 1950، وهو بداية انفجار الديموغرافيات في بلدان الجنوب- والعالم يعيش تحت هيمنة دول أوروبا التي فرضت على البشرية قيمها "الشمولية"، من الديمقراطية، وحقوق الإنسان، والمساواة ما بين البشر، والحق في التنمية. واليوم يشهد العالم انحطاط الغرب، وخاصة أوروبا -القارة العجوز، ويطالب بإعادة كتابة التاريخ، ليس من زاوية المنتصرين، ولكن من زاوية المهزومين؛ مهزومي الأمس الذين بدأوا يرفعون رؤوسهم بعد قرون طويلة ومريرة من الهيمنة والاستعباد.اضافة اعلان
فماذا يقول المهزومون؟ إنهم يقولون إن أوروبا قد فرضت قيَمَها عن طريق العنف (تجارة العبيد، ثم الاستعمار)، لكنّ هذه القيم الشمولية المزعومة، فشلت في النهاية في إثبات تفوقها، لأنها تفرز البؤس والحرمان والإقصاء.
البؤس؟ أجل، إنه بؤس من لا يملكون مأوى ثابتا؛ إنه بؤس البيوت أحادية رب العائلة (أي حالة البيوت التي لا يوجد فيها إلا الأب أو الأم لتربية الأطفال)؛ إنه أيضا بؤس كل الذين يسعون لأن يعيشوا عيشة كريمة، ويكافحون لإيجاد مكانهم في عالم بات يعاني من مرض حب الذات والفردانية، عالم تحكمه المادية المفرطة. وهل هو بؤس الإقصاء؟ أجل، إنه إقصاء الأجانب، "المختلفون"، ومنهم أيضا المصابون بعاهات، وإعاقات، وكبار السن الذين يقيمون في الملاجئ وبيوت العجزة. إنهم المحكوم عليهم بالحرمان والعزلة!
فما قيمة حضارة لا يجد فيها الإنسان مكانه الكامل والمناسب إلا إذا كان في مقتبل العمر، وقويا جسديا، وفي كامل قواه النفسية، ومطمئنا، ومن جنس الذكور ليس إلا؟ لأن التمييز ضد النساء، مع الأسف، ما يزال ثابتاً أساسياً من ثوابت هذه الحضارة المزعومة.
فالأفارقة يعتبرون الطريقة التي نعامل بها كبار السن، طريقة شائنة وغير مقبولة. والمسلمون يسْخَرون من انتقاداتنا الدائمة لنظام تعدد الزوجات، ما دام حُكامنا يمارسون من خلال مغامراتهم الجنسية المتعددة، "تعددا مؤسّسيا للزوجات" عندما لا يُطّلقون زوجاتهم لصالح عاشقات مُحظَوظات يضعوهنّ على "العين والرأس". وأما الآسيويون فهم مَصْعُوقون، مذهولون، أمام الطريقة التي يستطيع الفرد بها في الغرب أن يُشبع رغبته في الثراء، على حساب مصالح الجماعة. وفي فضاءات العشوائيات، وبيوت الصفيح، نجد من مظاهر التضامن أكثر مما هو موجود في الدول التي تتباهى بالرعاية، والغارقة في متاهات البيروقراطية، والتي ما انفكت تُعقّد معايير التضامن الاجتماعي، محوّلة إياه إلى مساعدة غير مستحقة تُذل بها كل الذين يستفيدون منها".
لقد انفجرت الفوارق الاجتماعية، ومظاهر عدم المساواة. وانخفضت قيمة العمل أمام سلطة المال المطلقة، ومكافأة رأس المال. فالهمجية التي ادعينا نحن الأوروبيين محاربتها، صرنا نحن الذين نُفرزها، بمحاربة الأجانب في داخل أراضينا، أي أولئك الذين لا يمارسون لا لغاتنا، ولا ديانتنا. وفوق ذلك صرنا نذهب اليوم، مثلما فعلنا في الماضي، إلى باقي أصقاع العالم، لنفرض على الشعوب حروبا يحلو لنا أنْ نصِفها بالحروب العادلة، حروب لا تخلق في النهاية سوى ألوان من العنف، وأصناف من الفوضى. في أفغانستان، والعراق، وليبيا، وفي غيرها... ونختلق هذه الحروب أيضا من أجل البترول، والوصول إلى مصادر الطاقة في قارة أفريقيا. ففي كل مكان في أوروبا صار الغرب، الواثق من قيمه "الشمولية" يعبث من دون رادع يردعه، بقيم الشعوب التي يدّعي نشر الحضارة بين شعوبها.
إذن، كيف نجرؤ على الادعاء بأن حضارة بعينها قد صارت متفوقة على حضارات أخرى، عندما تبني هذه الحضارة نفسها على الغطرسة والغرور والعجرفة، وعلى كراهية الآخر، وعلى الغزو، والإقصاء والهيمنة؟
*كاتب وجغرافي.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: «Civilisations»: où est la barbarie ?

[email protected]