"الغيرة".. هل ترسخ الجفاء بين ذوي الإعاقة وأشقائهم؟

واجب الوالدين أن يتعاملا بإنصاف مع جميع الأبناء- (ارشيفية)
واجب الوالدين أن يتعاملا بإنصاف مع جميع الأبناء- (ارشيفية)

ربى الرياحي


عمان- لم يتوقع الثلاثيني حازم أن أخاه الوحيد سيبادله في يوم من الأيام مشاعر الغيرة والعداء، وأن علاقته به ستكون جافة تفتقر للحب والرحمة والحنان. اضافة اعلان
يقول حازم، كم هو موجع أن تجد نفسك متهما بالأنانية من أقرب الناس إليك تقرأ في أعينهم الكثير من التساؤلات المحملة بالتجريح والاستخفاف أحيانا، والسبب هو تميزه وحصوله على أعلى الدرجات العلمية معتمدا على القوة التي يستمدها من إعاقته وأيضا من مساندة والديه له، وتصميمه على أن يغدو شخصا استثنائيا بكل ما يقدمه.
ويضيف،: لم تحرمني إعاقتي الحركية من أن أعيش حياتي بشكل طبيعي بل على العكس تماما استطعت أن أحقق شيئا من أحلامي، وذلك بوصوله إلى الهدف الذي لطالما اجتهد من أجل أن يعيشه على أرض الواقع، وهو التدريس في إحدى الجامعات الرسمية الأمر الذي عمق من مشاعر الجفاء بينهما، وأدى إلى برود في العلاقة وتجاهل أنهم أخوة تجمع بينهما رابطة الدم التي لا يمكن تعويضها أبدا.
ويبين أن نجاحه الملفت وحب والديه له واحترام جميع من حوله لإنجازاته، كلها أسباب جعلت أخوه يحقد عليه ويعاديه بدون أدنى إحساس بالذنب، وكأنه هو المسؤول عن فشله في شتى نواحي الحياة.
شعور قاس ذلك الذي يسيطر على علاقة أخوة جمعت بينهم قواسم مشتركة كثيرة. غربة في المشاعر تنتابهم تغيرهم من الداخل تمنعهم من أن يعيشوا الحياة بمحبة خالصة قادرة على تطهير قلوبهم من أية شوائب بإمكانها أن تفرق بينهم وتحكم عليهم بالقطيعة مدى العمر. هؤلاء بالذات يسمحون للغيرة أن تشوه أرواحهم وتتركهم محاصرين بنيرانها المتأججة.
أما محمد عبد الكريم، والذي تزعجه كثيرا مشاعر الغيرة الموجهة ضده من  قبل إخوته، فيقول فقداني للبصر جعل علاقتي بإخوتي غريبة بعض الشيء قائمة على المشاحنات والصراعات العقيمة غير المفهومة.
ويتابع، أحيانا الحياة تصدمنا بأقرب الناس إلينا رغم أننا ندين لهم بمحبة خالصة بعيدة كل البعد عن الفوارق السخيفة التي قد تكون سببا في تصدير كل المشاعر السلبية تجاهنا والسماح للبعض بالتقليل من شأننا فقط، لأننا نعيش وضعا خاصا ليس لنا أي ذنب فيه.
ويوضح حقيقة العلاقة المرتبكة مع إخوته الذين يتعمدون باستمرار أن يثبتوا لوالديهم أن رأيه خاطئ، لا تهمه أبدا مصلحة العائلة، ويحاولون بكل الطرق الإيقاع بينه وبين والديه، ربما ليجردوه من تلك الامتيازات الممنوحة له، والتي تشعرهم حتما بأنه أفضل منهم مرجعين ذلك إلى اكتفاء والديهم بنجاحه هو دون غيره، والتباهي بتفوقه سواء علميا أو عمليا.
ويقول إبراهيم خالد منتقدا حال البعض ممن قرروا أن يتعدوا على علاقة الأخوة ويشوهوها بسخافات لا جدوى منها، أن هناك مشاعر أخرى جديرة بأن تحل مكان الغيرة السلبية نحتاج إليها جميعا، وخاصة الأشخاص الذين لديهم إعاقة. فالحب والثقة والاهتمام والدعم ركائز نلتجئ إليها لنقوي أنفسنا.
ويضيف تميز الشخص من ذوي الإعاقة ينبغي أن يكون مصدر فخر لكل أسرته، مع الاحتفاظ بقيمة بقية الأخوة، الأمر الذي يتطلب من الوالدين أن يوزعا الاهتمام بالتساوي على الأبناء، والعمل على تشجيعهم بنفس الحماس، ليستطيعوا أن ينجحوا ويكونوا سندا لأخيهم، بدلا من تلك العداوة التي يوجدها التحيز المجحف.
وحول ذلك يقول الأخصائي النفسي الدكتور موسى مطارنة، شعور الغيرة أمر طبيعي يسيطر على أغلب علاقات الأخوة في المجتمع، لكنه قد يزداد ويبدو ملفتا للنظر في بعض الحالات الاستثنائية، كأن يكون أحد الأخوة من ذوي الإعاقة لديه الكثير من المزايا التي تدفع والديه للتركيز عليه، والاهتمام به دون غيره.
ويضيف، مما يؤدي إلى زرع الجفاء في قلوب بقية إخوته، والتأثر بتلك المشاعر السلبية التي تؤذيهم نفسيا وترغمهم على إقصاء أخيهم والحقد عليه لدرجة أنهم قد يحاولوا أذيته والإيقاع بينه وبين والديه.
ويبين أن من واجب الوالدين في هذه الحالة بالذات أن يتعاملا بإنصاف مع جميع الأبناء، ويمنحونهم الحب والحنان، ليستطيعوا في المقابل تبادله مع بعضهم البعض من خلال إيجاد علاقة سوية تجمع بينهم وتقويهم ضد كل الأزمات التي قد تعصف بهم وتتسبب في تفرقتهم.
كما يشير إلى ضرورة تجاوز كل الأسباب الداعية إلى نشر بذور الكراهية التي تفقدهم حتما القدرة على تقديم العون لبعضهم البعض، والتطاول على كرامة أخيهم من ذوي الإعاقة فقط، لكونه يتميز عنهم علميا أو حتى عمليا، وفق مطارنة.
ويقول استشاري علم الاجتماع الأسري مفيد سرحان، أن قضية غيرة الأخوة من تميز أخيهم من ذوي الإعاقة يعتمد على ثقافة الوالدين ووعيهم وقدرتهم على حسن التربية والتنشئة.
ويضيف، من الضروري في حالة وجود ابن ذوي إعاقة أن تقوم المؤسسات التربوية الخاصة بذلك، بتوعية وتدريب الآباء والأمهات على كيفية التعامل معهم ومع إخوانهم في الأسرة، إذ أن هؤلاء بلا شك بحاجة إلى عناية خاصة، وقد لا يتقن هؤلاء الآباء هذا التعامل، وهذا واجب المجتمع ومؤسساته الرسمية والأهلية.
مؤكدا، ولا بد أن تكون النظرة لهؤلاء ليست نظرة عطف وشفقة، لأن مثل هذا النظرة ربما يكون لها أثر سلبي على نفس هؤلاء وتؤثر على طريقة تعامل الإخوة داخل الأسرة.