الفشل بعينه!

إن شئتم معاينة مستوى الفشل الذي بلغناه، فعليكم بالجامعات. هناك تلمسون عن قرب حصاد السياسات الرسمية، والنتائج التي خلفتها استراتيجية الاحتواء والتضييق على الحياة الطلابية.اضافة اعلان
أصلا، لم يعد هناك حياة طلابية؛ كل ما لدينا مجاميع عشائرية وإقليمية وجهوية، تسهر مؤسسات الدولة على رعايتها وإنعاشها، ومدها يوميا بعوامل الصمود في وجه الحركات السياسية.
أكثر من 80 مشاجرة عشائرية في أقل من نصف عام شهدتها الجامعات الحكومية والخاصة. هل تريدون إنجازا وتميزا أعظم من هذا؟!
طالعت منذ أيام قليلة توصيات مؤتمر العنف الجامعي الذي نظمته "ذبحتونا"، ولم أجد توصية واحدة أختلف معها. وقبل ذلك، اطلعت مثل غيري على خطة استراتيجية أعدها باحثون مرموقون، تهدف إلى مواجهة ظاهرة العنف الجامعي. وقد تضمنت الخطة، التي أشرف عليها أستاذ علم الاجتماع ومدير مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية د. موسى شتيوي، قراءة تحليلية عميقة للظاهرة وسبل الحد منها.
وفي الأدراج أكوام من دراسات وتوصيات مشابهة لم تجد طريقها إلى التطبيق، فيما الظاهرة في اتساع، وتتحول إلى ما يشبه التقليد الثابت؛ فلا يكاد يمر يوم دون تسجيل "طوشة" عشائرية في إحدى الجامعات.
البحث عن حلول للمشكلة داخل الجامعات مضيعة الوقت. القضية برمتها خارج أسوار الجامعات، وتكمن في مكان آخر؛ إنها في عقل الدولة التي ما تزال تتبنى مقاربة بدائية تجاه المجتمع والناس.
كيف يمكن السيطرة على أمراضِ العشائريةِ والجهويةِ والإقليميةِ، والدولة ما تزال تنظر إلى المجتمع باعتباره لفيفاً من العشائر والواجهات والمخيمات، تتعامل معه على هذا الأساس، وتدير العلاقة معه وفق هذه القاعدة؟ الدولة لا ترى في المجتمع عشرات الآلاف من المهنيين والعمال والطلبة، ولا تقيم وزنا للاتحادات والروابط والهيئات والجمعيات. تصرّ على حشر المجتمع في هويّات عشائرية وجهوية ضيقة، وتعيد إنتاج هذه الروابط على نحو يفرض على كل مواطن، مهما كان علمه ومهنته وثقافته، أن يبحث عن ملاذ عشائري أو عائلي ليضمن الحضور في الشأن العام، أو الحصول على حقه في الوظائف والمناصب.
طلبة الجامعات في عين المشهد هذا، ويفكر كل واحد منهم بمصيره بعد التخرج، فلا يجد غير العشيرة ملجأ في غياب دولة المؤسسات وسيادة القانون.
ما قيمة الانتساب إلى الأحزاب إذا كانت مجرد ديكور في المجتمع، ومحظورة أصلا في الجامعات؟ وما جدوى الحديث عن قيم المواطنة إذا كانت العشيرة هي مدخل التمثيل السياسي في النيابة والوزارة والمناصب العليا؟
لا تلوموا الطلبة؛ إنهم ضحايا لثقافة سائدة، وخطاب رسمي منافق يتشدق بقيم الحداثة، بينما يولّد في الواقع أسوأ أشكال العلاقة بين الدولة والمجتمع، ويرعى العنف في الجامعات وسواها من المواقع.