"الفلاتر".. إدمان لجمال "افتراضي" و"رفض" للملامح الحقيقية!

مجد جابر

عمان- تفاجأت رنا من سلوك صديقتها حينما أقدمت على فتح كاميرا موقع "انستغرام" سريعا لالتقاط صورة لهما قبل عودة كل واحدة منهما الى عملها، غير أن ملامح صديقتها اختلفت فور فتح الكاميرا الأمامية، معتبرة أن ما رأته ليس شكلها الحقيقي، لتدرك أنها لم تكن قد وضعت "الفلتر/ تعديل الصور" الذي اعتادت التقاط صورها من خلاله، وفور ضبطه، شعرت بارتياح واعتبرت أن هذا هو شكلها الحقيقي، وقالت لها "هلا بنقدر نتصور".اضافة اعلان
ما رأته رنا اثار استغرابها كثيرا عندما عرفت ان صديقتها تعيش بعالم تعديل الصور، وتعتمد على هذه البرامج التي تجمل الوجه والملامح وتغير بعض التفاصيل، ويجعلها تبدو أكثر جمالا لدرجة جعلتها تصدق بأن ذلك هو شكلها الحقيقي.
ولعل ابراهيم هو شخص آخر تعرض لموقف محرج جداً حينما تعرف الى إحدى الفتيات عن طريق الانستغرام وبعد أن شعر بارتياح تجاهها وطلب رؤيتها من أجل معرفتها عن قرب أكثر، وليكون ذلك بداية لمشروع زواج، كانت صدمته كبيرة عندما وجد فتاة مختلفة تماما عن التي يرى صورها يوميا ليكتشف انها تستخدم الفلاتر التي تغير 80 % من شكلها الحقيقي وتجعلها اجمل بمراحل.
يقول "صفاء البشرة والعيون الواسعة والأنف الصغير كلها تفاصيل اختفت تماماً عندما شاهدتها على الواقع.. ذلك الأمر أشعرني بخيبة أمل كبيرة، فربما لو أنني تعرفت اليها بشكلها الحقيقي كنت أحببتها كما هي بصدقها وقناعتها بشكلها لكن الآن بعد أن تعرفت الى واحدة وتفاجأت بأخرى مختلفة تماما عنها لا يمكنني الاستمرار على الاطلاق".
ولعل "الفلاتر" باتت هوس الكثيرين لما تقوم به من تغيير التفاصيل والملامح بطريقة أجمل من الصورة الحقيقية ما يجعل الشخص يعتاد شكله الجديد.
صفاء البشرة، الوجه المحدد، العيون الواسعة، واحيانا تغيير لون العيون، الانف المرسوم كلها امور تعمل "الفلاتر" على تغييرها وتعديلها لدرجة تجعل الشخص يستسيغ شكله بالفلتر بشكل مضاعف.
وكان قد ظهر مصطلح "Snapchat dysmorphia" في عالم الجراحات التجميلية لوصف المهووسين بصورهم المفلترة عبر سناب شات، والباحثين عن جراحة تجميلية للظهور كنسخة من الصورة المفلترة.
الى جانب انه كانت حذرت دراسات مختلفة من أثر السيلفي وتلك الفلاتر، وارتباطها في رفع خطر الاصابة بـ "اضطراب تشوه الجسد"، وانعكاسه على الصحة العقلية والبدنية للمراهقين وحتى الكبار، إذ حذرت الرابطة الألمانية لأطباء الأطفال والمراهقين من هذا.
وبينت أن الاضطراب يندرج ضمن اضطرابات الوسواس القهري، وفيه يشعر الشخص المصاب بقلق مفرط بسبب عيب في شكل أو معالم جسمه، ما يرفع خطر الإصابة بالاكتئاب أو محاولة الانتحار.
وتتمثل أعراض هذا الاضطراب في تدني احترام الذات والعدوانية والعزلة الاجتماعية، والهوس بشكل الجسد وأنظمة الحِمية الغذائية من أجل الوصول إلى الصورة المثالية للمشاهير والنجوم. وفي الحالات الشديدة قد يصل الأمر إلى حد إيذاء النفس ومحاولة الانتحار.
فيما دراسة أخرى نشرت في مجلة "بودي ايمج" عن سلوكات السيلفي ونشرها عبر الانترنت، وجدت أن الفتيات والنساء بين عمر 16-29 اللواتي نشرن صور سيلفي لهن عبر مواقع التواصل الاجتماعي، شعرن بالقلق بشكل كبير وكانت ثقتهن بأنفسهن أقل، وكأنهن لا يملكن الجاذبية، وذلك بعد أن تمت المقارنة بالمجموعة التي استخدمت صورا سيطر عليها "الفلتر"، وجدوا أن الآثار السلبية أقل لمن تحكمن بظروف صورهن وقمن بتعديلها ليبدون أجمل.
وكشفت ارقام عالمية حديثة عن الوجود الكبير وتعلق الاردنيين بمنصات التواصل الاجتماعي المختلفة وتطويعها للنشر وتبادل الاراء والاخبار والمحتوى، ليصل عدد حسابات الاردنيين على مختلف شبكات التواصل الاجتماعي الى حوالي 10.9 مليون حساب.
إلى ذلك اظهرت الارقام العالمية بان شبكة فيسبوك استحوذت على الحصة الأكبر من اجمالي عدد حسابات الأردنيين على مختلف منصات التواصل الاجتماعي بنسبة تصل إلى 46 % وبحوالي 5 ملايين حساب.
وتظهر التقديرات ان تطبيق "انستغرام" لمشاركة الصور – وهو المملوك ايضا لشركة فيسبوك العالمية – يستحوذ على اهتمام الأردنيين حيث قدرت الارقام العالمية عدد حسابات الأردنيين على هذه المنصة بحوالي 2.10 مليون حساب.
وبدأ تطبيق "السنابشات" لمشاركة الصور والفيديوهات باستقطاب اعداد كبيرة من ناشطي التواصل الاجتماعي في الأردن، حيث قدرت الارقام عدد حسابات الأردنيين على هذه المنصة بحوالي 2.15 مليون حساب.
وفي ذلك يذهب الاختصاصي النفسي الدكتور يوسف مسلم، إلى أن كل شخص ينظر الى ذاته بمفهوم ومنظور خاص به، وضمن معايير معينة، والذي ليس ضمن هذه المعايير قد يشعر وكأنه خارج هذا العالم وغير مقبول، فمثلا من يستخدم "فلتر" يصقل وجهه وينحفه يصبح مع الوقت لا يتقبل وجهه الحقيقي، وهو أمر مرتبط بالموضة وتغيرها، فشيوع هذه الاشياء مع المدة بين الناس يجعلها مقبولة بين الناس. بالتالي، ووفق مسلم، فإن هذه الفلاتر تعطي الشخص هذه المعايير، والاشكالية التي تحدث في الاثر النفسي عندما يتتبع الشخص الموضة اكثر من تقبله لشخصيته الخاصة وشكله الطبيعي، ومع الوقت يبحث عن الجديد والمختلف.
وقد يصل لمرحلة من غياب القدرة لتقبل كل ما هو جديد، ويصاب بحالة من الاحباط ورفض الشكل وهو ما ينعكس على مفهوم الذات وتقديرها والثقة بالنفس وعلى الكثير من الامور التي قد تصل للكآبة والقلق المضاعف، وفق مسلم.
لأجل ذلك، فإن من التوصيات المهمة وما تعمل عليه كثير من الدول هو عدم توحيد المعايير لكل شيء مثل عارضات الازياء، إذ هنالك شركات اصبحت تلجأ لعارضات باوزانهن العادية الطبيعية، وبالتالي اصبح هناك الكثير من التوعية في هذا الموضوع، الى جانب وجود ضغط من الاعلام نفسه والصحف والتلفزيون بتغيير هذه الفكرة ونشر الوعي في هذا المجال.
في حين يذهب الاختصاصي الاجتماعي الدكتور حسين الخزاعي، الى أن استخدام الفلاتر اما لاخفاء مظاهر الانسان الحقيقية او اضافة جماليات على شكله يعد سلوكا خطيرا قد يؤدي الى اخفاء الجمال الذي يتمتع به الانسان واخفاء حقيقته او تجميلها، ما يجعل الممارس لهذا السلوك يعيش في عالم الخيال وينسى حقيقة نفسه ومظهره وطبيعته التي انعم الله به عليها.
وهذا السلوك اذا ما استمر، وفق الخزاعي، فانه يدفع الممارسين الى ارتكاب سلوكات خطيرة أو الاصابة بالاضطرابات النفسية والمعاناة من الأمراض مثل الوسواس القهري والعيش في عالم الخيال، كل تلك الامور تلحق الاذى والضرر في نفسية وصحة الممارسين لهذا السلوك وينسيهم جمالهم ومظهرهم الحقيقي.
ويعد الخزاعي ان هذا السلوك قد يعرض ممارسينه أمام الاخرين الى الاحراج وخيبة الامل، مبينا أن كل ذلك يخلق لدى الممارس لها اضطرابات عديدة، ولابد من التخلص من سيطرة هذه البرامج على العقل.
وأظهر استطلاع حديث أجرته منظمة "Girlguiding" الخيرية لإرشاد الفتيان والفتيات في المملكة المتحدة؛ أن ثلث الفتيات والشابات لا ينشرون صور سيلفي لهن عبر الانترنت إلا بعد استخدام تقنية تنقية البشرة ( الفلتر) لتغيير مظهرهن.
كما أن 39 في المئة من اللواتي شاركن في الاستطلاع، والبالغ عددهن 1473 ممن تتراوح أعمارهن بين 11 و 21 عاماً ، يشعرن بالضيق لأنه ليس بمقدورهن أن يظهرن في الحياة الواقعية كما هن على الإنترنت.
وتعكس نتائج الاستطلاع مخاوف خبيرة التجميل وعارضة الأزياء ساشا بالاري التي أطلقت مؤخراً حملة تحت عنوان #filterdrop أي إسقاط الفلتر عن الصور، على أمل رؤية "بشرة أكثر قرباً للواقع" على صفحات انستغرام.