الفلامنكو: الجسد.. في اقصى حالات النشوة

الفلامنكو:  الجسد.. في اقصى حالات النشوة
الفلامنكو: الجسد.. في اقصى حالات النشوة

محمد جميل خضر

   عمان - الذوبان في الرقص وبلوغ اقصى درجات ترويض الجسد هو اول ما يلتقطه المتابع لامسية الرقص والغناء والموسيقى الاسبانية التي اقامها معهد ثيربانتس بالتعاون مع امانة عمان اول من امس واحالت خلالها راقصة الفلامنغو الاسبانية تاتيانو غاريدو خشبة المسرح الرئيسي في مركز الحسين الثقافي الى آلة ايقاعية شاسعة المساحات عزفت عليها بأقدام رشيقة لم يمنعها الحذاء ذو الكعب العالي من مواصلة رقصاتها بمهارة وخفة ودراية لافتة.

اضافة اعلان


 وتنوعت فقرات الحفل الاسباني الذي تابعه زهاء 600 شخص تفاعلوا كثيرا مع لمحاته الفنية وصفقوا لعازف الغيتار الشبيهة اصوات اوتاره بصوت العود العربي والمتقاطع بما  قدمه من ألحان مع اجواء الشرق الموسيقية، كما صفقوا بحرارة لغاريدو ورفيقها بالرقص سوكومبانيا . ومن خلال لغة الجسد والاحتفاء بالتراث قدم الراقصان بمصاحبة غيتار وفلوت ومغني صولو لوحات فنية متقنة ومعبرة عن اشجان الانسان وسعيه الازلي للانعتاق من امسار الجسد ومعيقات بلوغه الكمال بتناغم مدروس بين حركات الايدي والارجل, وبين الجسد كدلالة وطار والروح كمرجعية.


   وعكست رقصات الحفل وتداعيات صوت المغني رغبة بالبوح واحتفاء بالحب كعاطفية انسانية كبرى، وشكلت الموسيقى بما تمتلكه من لغة عالمية يصل صداها للمتلقي بغض النظر عن اختلاف اللغة او البيئة نقطة ارتكاز للوحات الراقصة, فيما شكلت ضربات الاقدام المعتمدة على رنين الكعوب بديلا موسيقيا مدهشا للايقاع, فكانت بمثابة ضابط الرقص والموسيقى.


   والمعروف ان الفلامنغو تعتمد كثيرا على ضربات الاقدام المتناسقة مع اللحن والمؤسسة لنفسها مساحتها الخاصة داخل اللحن الذي تراقصه. وحملت رقصات الحفل حسا دراميا قامت غاريدو وزميلها بحركات تعبيرية واشارات تمثل حوارا صامتا دار بينهما،  ومع التصاعد اللحني والادائي كانت الرقصات تأخذ شكلا انفعاليا صاخبا ودلالات درامية اكثر وضوحا خصوصا ما يتعلق منها بالتخلص مما يعبق الجسد من ملابس زائدة او قبعة او وشاح او ذيل كما فعلت غاريدو في رقصة ارتدت فيها ثوبا فلوكلوريا احمر ملحق به ذيل طويل مزين بالزهور والاكسسوارات سرعان ما القت به جانبا وبوشاح مورد ومقصب لتواصل الرقص بخفة وسرعة وحركات اكثر رشاقة فيما الابتسامة لم تفارق شفاهها.

وثيمة الصعود والهبوط وتسريع الموسيقى ثم اخفاتها شكلت العمود الفقري لمعظم لوحات الحفل الذي نوعت فيه غاريدو وزميلها من المرجعيات التراثية عبر تبديل الزي في كل رقصة لتعكس موروث اكثر من منطقة اسبانية فمرة ترافقها المروحة التقليدية الممثلة للعصر الاوروبي الفكتوري ومرة الوشاح ومرة ترقص بفستان ابيض واخضر فاتح تفيض الوانه بالبهجة والدعوة المفتوحة للحياة والتفاؤل ومرة ملابس كومبانيا سوداء واخرى بيضاء بلون حذائه الذي اشعل الخشبة بكعبيه نقرا وضربا وقرعا وعزفا حسب متطلبات اللحن, كانت امسية رقص حتى النخاع اظهرت مدى امكانية الحوار مع الآخر عبر الفن, وشكلت فسحة مشرقة لالتقاء الحضارات والانفتاح على ثقافات الشعوب وفنونها.

تصوير: أليسون مونرو