"الفنون تزيد من إنسانيتنا": مبادرات سينمائية وموسيقية محلية تدعم البقاء في المنزل

figuur-i
figuur-i
إسراء الردايدة عمَان– في العزلة التي تعصف بالعالم جراء اجتياح وباء كورونا، تغدوالموسيقى والسينما أدوات اتصال قوية، كنوع من الهروب من الحاضر، ومساحة للتعبير والمشاركة ورفع المعنويات ونشر الإبداع والروح الإيجابية والدعوة للالتزام بالبقاء في المنزل حفاظا على الأرواح وحماية لمن نحب. في الوقت الذي توقفت فيه النشاطات الاجتماعية كافة، لم يتوقف صوت الموسيقى ولا تأثير السينما عن مواساة الجميع ورفع المعنويات، فهما الملاذ الإنساني للتخلص من الخوف والقلق، خاصة حيث يتكافل الجميع من خلف الشاشات في الوقت نفسه ويجتمعون معا من أجل مشاهدة فيلم أو حفل موسيقي. وهو الأمر الذي ولدت من رحمه مبادرات محلية موسيقية سينمائية لتحفيز الجميع على البقاء في المنزل، لتكون التكنولوجيا وسيلة للتفاعل في عزلة منازلنا.

الأفلام مساحة للتحرر والمشاركة

لفترة طويلة، ومنذ نشأتها، كانت للأفلام أدوار كبيرة في المجتمع، وبعضها يذهب إلى حد استكشاف ما يدور في عقولنا. وتقدم الأفلام وسيلة للهروب من حياتنا الروتينية إلى مغامرات أخرى مثيرة، فهي تبين لنا ما هو بعيد عن العالم الذي نعيشه. ومن هنا، أطلقت الهيئة الملكية للأفلام، ودعما للالتزام بالحجر المنزلي وحظر التجول، مبادرتين؛ الأولى مسابقة للأفلام القصيرة “متر وابعد”، وهي المسافة المطلوبة بينك وبين الآخر في زمن “كورونا”. مهند البكري المدير العام في الهيئة الملكية للأفلام يبين لـ”الغد”، أن دورها كمؤسسة مهنية هو دعم صناع المشهد السينمائي المحلي وتفعيل دورهم، وممارسة مسؤولياتها المجتمعية ومتابعة نشاطاتها التي نقلتها للانترنت كونها الأداة الأكثر حضورا وتأثيرا. البكري يشير إلى أن الفكرة تولدت من الظروف الاستثنائية التي تمر بنا بمواجهة الفيروس، والتي يتشارك بها الجميع بقصص تولد من محيطه وعلاقته بأهله وأصدقائه. فالكل يحتاج لمساحة ليعبر، وهو ما يتم حاليا باستخدام التطبيقات الذكية؛ حيث يشارك الجميع تلك المشاعر وما يدور مع أصدقائه. "وهو تحديدا ما نريد"، بحسب البكري، فتلك المشاعر والقصص تصبح أقوى حين يتم التقاطها من خلال الكاميرا، والتي اشترط أن تكون داخل المنزل، بين درامي أو إيجابي ويحكي عن التجربة في الحظر. شروط المسابقة التي نشرت على صفحات الهيئة عبر منصات التواصل الاجتماعي متاحة للجميع، شريطة أن يتم التصوير في الأردن وداخل المنزل، مع قبول الأساليب الفنية كافة سواء الروائي أو الوثائقي أو التجريبي أو التحريك أو الفيديو آرت، مع السماح باستخدام مواد مصورة سابقة على الانترنت ضمن حقوق النشر طبعا. والأمر نفسه ينطبق على الموسيقى، في شريط مدته لا تقل عن دقيقة ولا تتجاوز 4 دقائق، والمونتاج هنا ليس إلزاميا مع السماح باستخدام أي نوع كاميرا أو هاتف نقال. ويتاح للجمهور أن يصوت لمدة يومين بعد اختيار ثلاثة أفلام من قبل لجنة تحكيم خاصة، والجائزة المرصودة للفائزة تقدر بـ300 دينار سيتم منحها باسم الفائز للمبادرات المحلية ودعم الأسر المحتاجة لتفعيل دور التكافل الاجتماعي. [caption id="attachment_816407" align="alignnone" width="800"]ملصق فيلم لما ضحكت موناليزا للمخرح فادي حداد ملصق فيلم لما ضحكت موناليزا للمخرح فادي حداد[/caption]
سوريا.. ضمن إجراءات مكافحة كورونا: “السينما في بيتك”
أما المبادرة الثانية التي أطلقتها الهيئة فهي عرض أفلام أردنية وعربية وأجنبية ضمن برنامج “Cur-films”؛ المجاني على شبكة الانترنت يومي الاثنين والخميس عند الساعة التاسعة مساء. وتمثل هذه الأفلام مساحة للتفاعل والتواصل والانشغال بعيدا عن الأخبار المحيطة ونوعا من الترفيه، وهي أيضا، وفقا للبكري، مواصلة لنشاطات الهيئة في عروضها التي كانت تقام قبل الحظر. وكان العرض الأول هو فيلم “لما ضحكت موناليزا” للمخرج فادي حداد، وستتواصل العروض ضمن خطة شاملة وستتاح قريبا فيديوهات من صناع الأفلام العربية والأجنبية، وربما إضافة دردشة جماعية بين الجمهور والمخرجين لإحداث تفاعل أكبر. وأضاف البكري أن الأمر لا يتوقف هنا، بل ستتم إضافة عدد من ورش العمل والتدريب لصناع الأفلام عبر منصة خاصة تشبك بين المشاركين. وتم العمل على ورش عمل مقبلة ربما ستكون “أونلاين”، بحيث يتم التواصل بين المشاركين والمتخصصين وتوظيف وسائط المرئي والمسموع في رواية القصص والتعبير عن الذات.

“حديث أفلام بالحجر” لدعم صناع الأفلام

هناك مبادرة أخرى لتفعيل دور صناع الأفلام في ظل الحظر ودعما لهم أطلقها المنتج شريف مجالي من خلال لقاءات يعقدها عبر “فيسبوك” تحمل اسم “حديث أفلام بالحجر”. مجالي يشير إلى أن الغاية منها هي الحفاظ على صناع الأفلام ودعمهم لبعضهم بعضا، والحديث عن مشاكلهم وقلقهم وكيف أثر هذا الوباء العالمي على أعمالهم بأبعاده العالمية. ويذهب مجالي الى أنه تناول في حلقته الأولى لقاء مع المخرجة دارين سلام التي انتهت مؤخرا من تصوير فيلمها الروائي الأول “فرحة” وكيف أنجزته وما هي خططها بعد انتهاء الحظر وكيف أثر عليها، وفي لقاء آخر مع المخرج عصام الحسيني، تناول أثر الأوضاع على الصناعة بشكل عام والحاجة لنقابة للمخرجين السينمائيين، وسيواصل الحلقات مع شخصيات مختلفة فاعلة في المجال.

“القصّاص”: قصة تستحق أن تكون فيلما

القصّاص، مشروع شركة إنتاج تفاعلية وشعبية تهدف إلى تفعيل دور المجتمعات في إنتاج المواد الإعلامية عن طريق التواصل عبر شبكة الانترنت، التي أطلقت مؤخرا عبر صفحتها على “فيسبوك”. تهدف المبادرة لاختيار قصة بناء على رأي الجمهور، يرى أنها تستحق أن تكون فيلما، وهي تسجيل مقطع فيديو لشخص يروي القصة ولا تتجاوز مدته 5 دقائق. ولاحقا يتم اختيار 3 منها يتاح للجمهور التصويت لها والفائز يحصل على دورة تدريبية في كتابة السيناريو وتطوير النص بشكل احترافي.

“موسيقى من الأردن”

في الظروف التي نمر بها، تعد الموسيقى ملاذا للحصول على الطمأنينة بين لحن جميل وكلمة عميقة تنثر روح البهجة والإيجابية، ومع تضامن فنانين عالميين باتوا يعزفون من منازلهم تحفيزا ودعما لجمهورهم وحثهم على الالتزام في المنزل، قرر فنانون وشباب مبدعون توجيه طاقاتهم محليا لإقامة نشاطات جديدة عبر “فيسبوك” و”انستغرام” تبث لبيوت الناس. المبادرة التي أطلقتها ثلاث فتيات هن: ميس السهلي “مجموعة الموسيقيات الأردنيات” ولما حزبن القائمة على مهرجان عمان للجاز، وميرنا خلفاوي من مؤسسة “أبرز للموسيقى”، تهدف لجمع مجموعة كبيرة من الفنانين الذي احتشدوا لبث حفلات موسيقية عبر “انستغرام” للتواصل مع جمهورهم والتخفيف من الحظر. السهلي تقول لـ”الغد”، إن الفكرة بدأت تتبلور بسرعة لكسر الملل وحالة القلق، خاصة أن الجميع يقضي وقتا طويلا ممسكا بالهاتف، ومتصفحا منصات التواصل الاجتماعي. تبث المنصة يوميا 5 ساعات بمشاركة نحو 170 فنانا أردنيا وعربيا، في الحفلات المباشرة تعزف أنواعا مختلفة من الموسيقى على مدار الأسبوع من أجل رفع المعنويات في أيام الحجر الصحي ومنع التجول، وتجمع الموسيقيين الذين توقفوا عن الأداء على خشبة المسرح تحت مظلة عائلة واحدة تتشارك في الاهتمامات والموسيقى والوعي التام أن الفن مسؤولية وأن لهم دورا كبيرا في هذه الأوقات. وكانت البداية للمنصة من د. أيمن تيسير وعلاء خوري، وموسيقيات مثل هلا ميمون ونتاشا دحدلة، وآخرين يتنافسون لحشد جمهورهم يوميا بدءا من الساعة 5 مساء عبر حسابهم على “انستغرام” (LiveMusicJo). [caption id="attachment_816406" align="alignnone" width="1365"]الفنانة زين عوض الفنانة زين عوض[/caption]

“سهرانين”.. الموسيقى توحدنا

مبادرة موسيقية أخرى هي “سهرانين” أطلقها طارق أبو لغد، المدير العام للشبكة العربية للإعلام التي تندرج تحت مظلتها “مزاج إف إم”، مترجما توجه الإذاعة لنشر محتوى موسيقي يحسن المزاج ويوفر مساحة للترفيه والسعادة والإيجابية مهما كانت الظروف المحيطة صعبة. وبين أبو لغد، في حديثه مع “الغد”: “أن الموسيقى والفن يلعبان دورا حيويا في الارتقاء بالأمم وبمواجهة المصاعب ونشر الإيجابية، خاصة أن للموسيقى دورا كبير في علاج التوتر والخوف ومساحة للراحة والتأمل وتعزيز الشعور بالفرح. والفكرة الأساسية هي حث الجميع على التزام بيوتهم من خلال “خليك بالبيت”، والفن قادر على الوصول لجمهوره أينما كان وهي مسؤوليتنا”. وافتتحت العروض من الفنانة الأردنية زين عوض وهي تعزف على البيانو من منزلها مقدمة جملة من الأغنيات التي تتناسب مع الوضع، على حد قولها في حديثها مع “الغد”. وأضافت عوض: “دور الفنان في مثل تلك المواقف التي نعيشها هو نثر البهجة والتوعية بأهمية الالتزام، على الرغم مما نمر به جميعا من خوف وقلق، فكلنا في الخندق ذاته”. وترى عوض أن الموسيقى والتكنولوجيا تلعبان دورا حيويا اليوم في الأردن والعالم أجمع، كما أن الموسيقى تجمعنا وتوحدنا دائما. [video width="848" height="480" mp4=""][/video] ومن جهته، بين الفنان وعازف الغيتار بشر الذي شارك أيضا في أول حفل عن بعد مع الإذاعة، أن أكبر تحد يواجه الفنان هو نشر الأغنيات وإيصالها لأكبر عدد ممكن من الناس. ومن خلال هذه المبادرة تمكن من استقطاب عدد كبير تفاعل معهم من بيته، خاصة أنه يقوم بتأليف وتلحين أغنياته وعزفها لهم. وتابع “وبحثا عن السلام والراحة والكلمة الجميلة واللحن المؤثر، ندرك دورنا كفنانين بما يجب أن نعزف لنبث السعادة في قلوب مستمعينا ومعجبينا، ونحن أيضا نشعر بالفخر بما نعزفه لأننا نلمس تأثيره من خلال تفاعلهم، فالموسيقى غذاء الروح”. [video width="640" height="432" mp4=""][/video] وشارك أيضا مع “مزاج اف ام” الفنانة نتاشا دحدلة التي عزفت أثناء فترة تواجدها في الحجر الصحي في البحر الميت على أدوات مثل الكاسات والملاعق والصحون، وهي تجيد العزف على آلات إيقاعية، مستعينة بما توفر لديها في الغرفة وغنت بكل إيجابية وفرح. ويبقى القول،أن للموسيقى والفنون السينمائية دور كبير في رفد الإنسانية بالفرح والسعادة، في الأوقات العصيبة خاصة تلك التي تعصف بالبشرية حاليا في مواجهة وباء كورونا، ليصبحا وسيلة للتواصل والترفيه والتعبير وأيضا المشاركة، وكسر الشعور بالوحدة والحصار.، ودائما في الفن مساحة للحياة بكل زمان ومكان.اضافة اعلان